• الدُرَّة المنتقاة :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِن، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». (أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع، 6502).
• تأملات في الدُّرة:
في هذا الحديث القدسي يُنْذِرُ الله تعالى أعداءَ أوليائه، ويُعْلِمهم أنه قد أعلن الحرب عليهم، بسبب معاداتهم لأحبائه وأصفيائه، وخاصته من خلقه. وأولياء الله تعالى هم الذين جمعوا بين الإيمان والتقوى، كما قال تعالى: “أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ” (يونس62-63)، فبقدر ما عند العبد من الإيمان والتقوى، يكون حَظُّه من الولاية أوفى.
ثم بين تبارك وتعالى ما تنال به ولايته ومحبته، وهو التقرب إليه بالفرائض أولا، ثم التزلف إليه بالاجتهاد في النوافل ثانيا، فبالحفاظ على الفرائض يحصل للعبد أصل الولاية، وبقدر اجتهاده في النوافل ترتفع درجته في سلم الولاية، إلى أن يبلغ كمالها، ويتبوأ الدرجة الرفيعة فيها، وهي منزلة الخلة، التي قال الله فيها: “وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً” (النساء125)، وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنِّى أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِى خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً” (مسلم).
فإذا حاز العبد شرف المحبة السَّمِيَّة، وتَقَّلَّدَ وِسَامَ الولاية العَلِيَّة؛ شملته العناية الربانية، وظفر منه بالتأييد والمعية، فلا يَكِلُهُ إلى نفسه بعد ذلك طرفة عين، بل يسدد جوارحه لما فيه رضاه، فلا يسمع بأذنه إلا ما يَرْضَى مَعْبُودُه، ولا يرى بعينه إلاَّ ما يحبُّ مَحْبُوبُه، ولا يصنع بيده ما يسخط عليه سّيِّدَه ومولاه، ويستحيي منه أن يمشي برجله إلى موضع يكرهه، فلا يراه أبدا حيث يحب أن يفقده، ولا يفقده أبدا حيث يحب أن يراه، فيكرمه الله تعالى حينئذ بإجابة دعوته، وتلبية استعاذته، فيعطيه ما يؤمل يرغب، ويصرف عنه ما يَحْذَرُ ويرهب.
• وَمَضَاتُ الدُّرة :
في هذا الحديث من الفوائد:
1. بيان فضل أولياء الله، وكرامتهم على ربهم.
2. بيان شدة خطر معاداة أولياء الله، وأنه من كبائر الذنوب.
3. أنَّ ولايةَ الله عزَّ وجلَّ تحصل بأداء الفرائض وفعل النوافل.
4. إثبات صفة المحبَّة لله عزَّ وجلَّ.
5. أنَّ أحبَّ ما يُتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ به أداء الفرائض.
6. أن العبادات فرائض ونوافل.
7. أن الأعمال تفاوت في محبَّة الله إيَّاها، وأنها تتفاضل بمجرد النية، وإن اتحد جنسها.
8. أنَّ فعل النوافل والاستمرار عليها بعد أداء الفرائض يجلب محبَّة الله عزَّ وجلَّ.
9. أنَّ من ظفر بمحبَّة الله عزَّ وجلَّ سدَّده في سمعه وبصره وبطشه ومشيه.
10. أنَّ محبَّة الله عزَّ وجلَّ للعبد سبب لاستجابة دعائه، بتحصيل مطلوبه، والسلامة من مرهوبه .