وردت أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تحدد الجوار بأربعين دارا، إلا أنها جميعها أحاديث ضعيفة لا تقوم الحجة بشيء منها، ومن هذه الأحاديث:
1- حديث عائشة مرفوعا: “أوصاني جبرائيل عليه السلام بالجار إلى أربعين دارا، عشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا، وعشره من ها هنا”. أخرجه البيهقي (6/276)، وفي إسناده إسماعيل بن سيف، وأم هانئ بنت أبي صفرة، فأما إسماعيل فقال فيه ابن عدي (1/318): “حدث بأحاديث عن الثقات غير محفوظة، ويسرق الحديث”؛ وأما أم هانئ فمجهولة؛ ولذلك ضعف الألباني هذا الحديث (الضعيفة 274).
2- حديث كعب بن مالك مرفوعا: “ألا إن أربعين دارا جوار، ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه. قيل للزهري: أربعين دارا؟ قال: أربعين هكذا، وأربعين هكذا”. أخرجه الطبراني (19/73)، وفي إسناده يوسف بن السفر، وهو متروك، كذبه الدارقطني، وقال عنه البيهقي: “هو في عداد من يضع الحديث”؛ ولذلك ضعف هذا الحديث ابن حجر في الفتح (10/447)، والألباني في الضعيفة (275).
3- حديث أبي هريرة مرفوعا: “حق الجوار إلى أربعين دارا، وهكذا، وهكذا، وهكذا، يمينا، وشمالا، وقدام، وخلف”. أخرجه أبو يعلي (10/385) وفي إسناده عبد السلام بن أبي الجنوب، قال أبو حاتم: متروك الحديث، وضعيفان آخران؛ ولذلك ضعف الحديث العراقي في تخريج الإحياء (2/189)، وقال الألباني: ضعيف جدا (الضعيفة 276).
4- حديث الزهري مرفوعا: “الساكن من أربعين دارا جار”. أخرجه أبوداود في المراسيل(450)، وهو صحيح الإسناد إلى الزهري لكنه مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف؛ ولهذا ضعفه الألباني (الضعيفة 277). وفي آخره: قيل للزهري: وكيف أربعون دارا؟ قال: أربعون عن يمينه، وعن يساره، وخلفه، وبين يديه”، وهذا يعني أن الزهري يأخذ بهذا القول في تحديد الجوار، وقد قال به أيضا الحسن البصري، حيث سئل عن الجار فقال: “أربعين دارا أمامه، وأربعين خلفه، وأربعين عن يمينه، وأربعين عن يساره”، أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وحسن الألباني إسناده (صحيح الأدب المفرد: 59).
والحاصل أنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في تحديد الجوار بأربعين دارا، وإنما ورد ذلك عن الزهري والحسن البصري، وهما تابعيان جليلان، فلا ينكر على من أخذ بقولهما، غير أنه ليس بحجة على من خالفهما، وللعلماء في تحديد الجوار أقوال، قال الحافظ في الفتح (10/447): “اختلف في حد الجوار فجاء عن علي رضي الله عنه: من سمع النداء فهو جار، وقيل: من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار. وعن عائشة: حد الجوار أربعون دارا من كل جانب، وعن الأوزاعي مثله”. وقال الشيخ الألباني رحمه الله: “الظاهر أن الصواب تحديده بالعرف” (الضعيفة 1/446). والله تعالى أعلم.