آيات تفهم على غير وجهها إبراهيم الصغير

سورة ص
– قوله تعالى: {وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ}(15).
كلمة (ينظر) من الانتظار لا النظر، أي ما ينتظر هؤلاء إلا صيحة واحدة.
أما كلمة (من فواق) فهي من الإفاقة والفيقة لا من فوق.
قال القرطبي: (ما لها من فواق) أي من ترداد، عن ابن عباس. وقال مجاهد: ما لها رجوع. وعن السدي: مالها من إفاقة بعدها ولا رجوع إلى الدنيا.
وقال الفراء وأبو عبيدة وغيرهما:(من فواق) بفتح الفاء أي راحة لا يفيقون فيها.
قال ابن زيد في قوله (ما لها من فواق): ما لها من صيحة لا يفيقون فيها كما يفيق الذي يغشى عليه وكما يفيق المريض تهلكهم، ليس لهم فيها إفاقة.
قال الفراء: والمعنى: ما لها من راحة ولا إِفاقة، وأصله من الإِفاقة في الرضاع إذا ارتضعت البهيمة أُمَّها ثم تركتْها حتى تنزل شيئاً من اللَّبَن، فتلك الإفاقة. والفيقة اسم اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين.

– قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ}(21).
(تسوروا المحراب) معناها تسلقوا سور المحراب ودخلوا على داوود.
قال الطبري: وقوله (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ) أي: دخلوا عليه من غير باب المحراب.
قال ابن العربي: وكان محراب داود عليه السلام من الامتناع بالارتفاع، بحيث لا يرتقي إليه آدمي بحيلة إلا أن يقيم إليه أياما أو أشهرا بحسب طاقته، مع أعوان يكثر عددهم، وآلات جمة مختلفة الأنواع.
قال القرطبي: ومعنى (تسوروا المحراب) أتوه من أعلى سوره، يقال: تسور. الحائط تسلقه.
قال العلامة بن عاشور: والتسور: تفعل مشتق من السور، وهو الجدار المحيط بمكان أو بلد يقال: تسور، إذا اعتلى على السور، ونظيره قولهم: تسنم جمله، إذا علا سنامه، وتذرأه إذا علا ذروته، وقريب منه في الاشتقاق قولهم: صاهى، إذا ركب صهوة فرسه.
والمعنى: أن بيت عبادة داود عليه السلام كان محوطا بسور لئلا يدخله أحد إلا بإذن من حارس السور.
فتسوروا المحراب دخلوا متسلقين سوره من غير إذن، لذا فزع منهم داوود عليه السلام.

– قوله تعالى:{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}(32).
المسألة الأولى: (أحببت) ليس لتفضيلها عن ذكر الله بل لزمها حتى ألهته عن ذكر ربه.
قال بن عاشور: وضمن أحببت معنى عوضت، فعدي بـ(عن) في قوله: عن ذكر ربي فصار المعنى: أحببت الخير حبا فجاوزت ذكر ربي. والمراد بذكر الرب الصلاة، فلعلها صلاة كان رتبها لنفسه لأن وقت العشي ليست فيه صلاة مفروضة في شريعة موسى إلا المغرب.
قال القرطبي: و(حب) مفعول في قول الفراء. والمعنى إني آثرت حب الخير. وغيره يقدره مصدرا أضيف إلى المفعول، أي أحببت الخير حبا فألهاني عن ذكر ربي. وقيل: إن معنى (أحببت) قعدت وتأخرت من قولهم: أحب البعير إذا برك وتأخر…
وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان: أحببت بمعنى لزمت.
فأحببت لا تعني أنه عليه السلام أحب الخيل وفضلها عن ذكر ربه الذي هو الصلاة، بل أن حبه لها وانشغاله بها ألهاه عن صلاته حتى غربت الشمس.
المسألة الثانية: (الخير) وتعني المال بصفة عامة، والخيل هنا.
والخير: المال النفيس كما في قوله تعالى: {إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ}البقرة180.
والخيل من المال النفيس. وقال الفراء: الخير بالراء من أسماء الخيل.
قال البغوي: {فقال إني أحببت حب الخير} أي: آثرت حب الخير، وأراد بالخير الخيل، والعرب تعاقب بين الراء واللام، فتقول: ختلت الرجل وخترته، أي: خدعته، وسميت الخيل خيرا لأنه معقود بنواصيها الخير، قال مقاتل: حب الخير يعني: المال، فهي الخيل التي عرضت عليه.
قال الفراء: الخير في كلام العرب والخيل واحد.
-المسألة الثالثة: (حتى توارت بالحجاب) كناية عن الشمس وقيل الخيل.
قال القرطبي: (حتى توارت بالحجاب) يعني الشمس كناية عن غير مذكور، مثل قوله تعالى: (ما ترك على ظهرها من دابة) فاطر:45 أي على ظهر الأرض.
قال البيضاوي: (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) أي غربت الشمس، شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليها.
قال العلامة الشوكاني: (حتى توارت بالحجاب) يعني الشمس ولم يتقدم لها ذكر، ولكن المقام يدل على ذلك.
قال الزجاج: إنما يجوز الإضمار إذا جرى ذكر الشيء أو دليل الذكر، وقد جرى هنا الدليل، وهو قوله بالعشي. والتواري: الاستتار عن الأبصار، والحجاب: ما يحجبها عن الأبصار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *