من آثار الإيمان باسم الله “العزيز” الحلقة الخامسة والعشرون ناصر عبد الغفور

4- كل عزة واعتزاز بما يغضب الله تعالى فإنما هي ذل ومهانة:
قال تعالى: “ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ” (ص:1-2) أي حمية واستكبار وامتناع، وهذه العزة التي وصف الله تعالى بها الكفار ليست عزة حقيقية فلا يملكون من القهر والغلبة مثقال ذرة وإنما هم يعتزون بكفرهم وعنادهم ويستكبرون عن الإيمان، مما أوجب لهم الذل والمهانة في دار الخزي والندامة..، وقال جل شأنه: “وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ..” وهذا عين الخذلان، أن يعتز العاصي بعصيانه والفاجر بفجوره بل الكافر بكفره..، فالمبارزون لله تعالى بالكفر والمعاصي؛ كأنهم ينزلون أنفسهم باعتزازهم بذلك منزلة الغالبين القاهرين والأمر ليس كذلك، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين لا لغيرهم.
فمحادة الله تعالى بالكفر أو بالعصيان لم ولن يكون سبيلا للعزة بل لضدها، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “..وجعل الذل والصغار على من خالف أمري” صحيح الجامع، ولله در الحسن البصري رحمه الله إذ يقول: “أبى الله إلا إن يذل أهل معصيته فمهما طقطقت بهم البُغل وهملجت بهم البراذين فإن ذلّ المعصية في رقابهم”، ويقول: “هانوا على الله فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم”.
وصدق الإمام ابن القيم رحمه الله إذ يقول: “فكل عبودية لغيره باطل وعناء وضلال، وكل محبة لغيره عذاب لصاحبها، وكل غنى بغيره فقر وضلال، وكل عز بغيره ذلّ وصغار” .

5- إثبات صفات الكمال له سبحانه وتنزيهه عن كل أشكال النقص:
فمن معاني العزة كما مرّ معنا نفاسة القدر وأنه سبحانه لا مثيل له، فكما أنه عزيز في ذاته فهو كذلك عزيز في نعوته وصفاته، “فليس لأحد مثل ذاته ولا صفاته ولا أسمائه ولا أفعاله” ، قال تعالى: “وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” (النحل:60)، وقال عز من قائل: “وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (الروم:27)..، قال السعدي رحمه الله: “وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ”: وهو كل صفة كمال وكل كمال في الوجود فالله أحق به من غير أن يستلزم ذلك نقصا بوجه..” ، وقال الشوكاني: “وهو-أي المثل الأعلى- أضداد صفة المخلوق من الغنى الكامل والجود الشامل والعلم الواسع..” .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “ومن تمام عزته -سبحانه- براءته من كل سوء وشر وعيب فإن ذلك ينافي العزة التامة” .
6- عدم منازعته سبحانه في عزته:
فعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يقول الله عز وجل: الكبر ردائي والعزة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار” ، قال الإمام النووي رحمه الله: “ومعنى ينازعني يتخلق بذلك فيصير في معنى المشارك وهذا وعيد شديد.. لكون العز والكبرياء بالله تعالى أحق وله ألزم واقتضاهما جلاله” .
وهذا لا ينافي اتصاف المؤمن بالعزة لكن المقصود عدم منازعة الله تعالى في صفة العزة التي كملت له سبحانه من كل وجه وهي من صفاته الذاتية الملازمة لذاته، أما عزة المؤمنين فهي عزة مكتسبة فبإعزاز الله لهم كانوا أعزاء.
7- دوام الافتقار والتذلل إليه سبحانه:
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: “فالله سبحانه العزيز الذي يقضي بما يشاء، وأنه لكمال عزته حكم على العبد وقضى عليه بأن قلب قلبه وصرف إرادته على ما يشاء، وحال بين العبد وقلبه وجعله مريدا شائيا لما شاء منه العزيز الحكيم. وهذا من كمال العزة إذ لا يقدر على ذلك إلا الله وغاية المخلوق أن يتصرف في بدنك وظاهرك، وأما جعلك مريدا شائيا لما يشاؤه منك ويريده فلا يقدر عليه إلا ذو العزة الباهرة. فإذا عرف العبد عز سيده ولاحظه بقلبه وتمكن شهوده منه كان الاشتغال به عن ذلّ المعصية أولى به وأنفع له لأنه يصير مع الله لا مع نفسه. ومن معرفة عزته في قضائه أن يعرف أنه مدبر مقهور ناصيته بيد غيره لا عصمة له إلا بعصمته، ولا توفيق له إلا بمعونته، فهو ذليل حقير في قبضة عزيز حميد.. وكلما ازداد شهوده لذله ونقصه وعيبه وفقره ازداد شهوده لعزة الله وكماله وحمده وغناه..” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *