أقوال السادة العلماء في حكم الاحتفال بليلة الإسراء

الملاحظ أن كثيراً من البدع في العصر الحديث قد اندثرت ونسيها الناس؛ لا لأنهم عرفوا أنها ضلالة، ولكن لأن الحياة المعاصرة بمشاكلها وأنماطها الجديدة صرفت الناس عن تلك البدع، كما شغلتهم ملهيات العصر عن تذكرها والاهتمام بها، بل صرفت كثيراً من الناس عن الالتزام والتمسك بالدين.

وكان الأولى بأهل الإصلاح في هذه الحال أن يستثمروا هذا الفراغ، وينتهزوا فرصة انصراف الناس عن كثير من بدع العبادات والأعياد والاعتقادات ليقيموا السنن ويهدموا البدع، ويبذلوا الجهود للقضاء على ما تبقى لدى الناس منها، ولكن وللأسف الشديد يشارك بعض المنسبين إلى صرح الالتزام في تأصيل عدد من البدع، حتى البدع التي زالت ونسيها الناس! كما هو الحال في الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب.
ولا نظن أن من يشارك في احتفالات ليلة الإسراء والمعراج من يجهلون الحقائق الآتية:
أولاً: لا يوجد نص في الكتاب والسنة فيه دلالة على مشروعية الاحتفال بتلك الليلة والتذكير بفضلها:
ولم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحداً من الصحـابة احتفل بهذه الليلة سـواء لغرض الذكرى أو التذكير بما فيها من عبر أو بسبب فضلها وشرفها، وهذا دليل على أن الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بدعة محدثة، لأن العبادات توقيفية، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”، وفي رواية لمسلم: “من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”.
ثانياً: لا يعرف أحد على وجه التحديد متى حدث الإسراء والمعراج؛ فكيف يُخصص 27 من رجب للاحتفال بها؟
والقول بوقوع الإسراء والمعراج في 27 من شهر رجب خصوصاً من الأقوال المردودة، فقد اختلفـت أقوال العلماء اختلافاً شديداً في تحديد تاريخ الإسراء والمعراج، قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
“وقع حادث الإسراء والمعـراج‏،‏ واختلف في تعيين زمنه على أقوال شتى‏:‏
1- فقيل‏:‏ كان الإسراء في السنة التي أكرمه الله فيها بالنبوة، واختاره الطبري.‏
2- وقيل‏:‏ كان بعد المبعث بخمس سنين، رجح ذلك النووي والقرطبي.‏
3- وقيل‏:‏ كان ليلة السابع والعشرين من شهر رجب سنة 10 من النبوة‏.
4- وقيل‏:‏ قبل الهجرة بستة عشر شهراً، أي في رمضان سنة 12 من النبوة‏.
5- وقيل‏:‏ قبل الهجرة بسنة وشهرين، أي في المحرم سنة 13 من النبوة‏.
6- وقيل‏:‏ قبل الهجرة بسنة، أي في ربيع الأول سنة 13 من النبوة‏.‏
وَرُدَّتِ الأقوالُ الثلاثة الأول بأن خديجة رضي الله عنها توفيت في رمضان سنة عشر من النبوة، وكانت وفاتها قبل أن تفرض الصلوات الخمس‏، ولا خلاف أن فرض الصلوات الخمس كان ليلة الإسراء‏.
أما الأقوال الثلاثة الباقية فلم أجد ما أرجح به واحداً منها، غير أن سياق سورة الإسراء يدل على أن الإسراء متأخر جداً”‏. اهـ كلام المباركفوري.
قال أبو شامة: “وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والجرح عين الكذب” (انظر: الباعث، ص:171، نقلاً عن البدع الحولية للشيخ عبد الله بن عبد العزيز التويجري).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، لـيس فيها ما يُقطـع به، ولا شُرع للـمسلمين تخصيص الليلة التي يظـن أنها ليلة الإسـراء بقـيام ولا غيره” (نقله ابن القيم عن شيخ الإسلام، انظر: زاد المعاد 1/57، نقلاً عن المرجع السابق).
ثالثاً: موقف العلماء أن الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بدعة محدثة واضح ومعروف:
قال ابن النحاس في كتابه تنبيه الغافلين حول بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، ص379-380: “إن الاحتفال بهذه الليلة بدعة عظيمة في الدين، ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين”.
وقال ابن الحاج المالكي في المدخل 1/294: “ومن البدع التي أحدثوها فيه أعني في شهر رجب ليلة السابع والعشرين منه التي هي ليلة المعراج”.
فمن أراد أن يذكّر الناس بما في السيرة النبوية الشريفة من أحداث مهمة ودروس عظيمة، فهذه أيام السنة كلها بطولها وعرضها، فلماذا لا يذكّر الناس في أحد أيامها بالإسراء والمعراج في خطبة أو محاضرة أو لقاء تلفزيوني أو مقال دون تخصيص ذلك اليوم بالمناسبة أو اتخاذه عادة مبتدعة! (انظر مقال: أفيقوا أيها الدعاة.. لِمَ الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج؟! لمحمد حسن).
فأجدر بمن رام الإصلاح وندب نفسه لذلك ألا يقع تحت تأثير منصب أو مكانة جهة تدعوه للمشاركة في الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، وأن يواجه طلب المشاركة بما ينبغي لكل مخلص متبع للحبيب صلى الله عليه وسلم أن يواجه به كل طلب للمشاركة في احتفالات غير مشروعة، وهو أن يبين الحق للناس، ولا يطيعهم في طلبهم، ولا يشاركهم في باطلهم حتى لا يفتنهم، قال صلى الله عليه وسلم: “إنه سيلي أموركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون بدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها”. قال ابن مسعود: كيف بي إذا أدركتهم؟ قال: “ليس -يا ابن أم عبد-طاعة لمن عصى الله”. قالها ثلاثاً. (سلسلة الأحاديث الصحيحة:2864).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *