: أبو محمد عادل خزرون التطواني
قرر الشعراني في نص له ما زعمه شيخه ابن عربي أنه لا فرق بين وحي الأولياء ووحي الأنبياء؛ إلا أن وحي الأنبياء تشريع جديد، وأما الأولياء فإن وجهتهم كشف وعلم واتباع لمشرع الأنبياء..
قال في الباب الثالث والخمسين وثلاثمائة: “اعلم أنه لم يجئ لنا خبر إلهي أن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي تشريع أبداً إنما لنا وحي الإلهام. قال تعالى: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك) ولم يذكر أن بعده وحياً أبداً.
وقد جاء الخبر الصحيح في عيسى عليه السلام وكان ممن أوحي إليه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: إذا نزل آخر الزمان لا يؤمنا إلا بنا أي بشريعتنا وسنتنا، مع أن له الكشف التام إذا نزل زيادة على الإلهام الذي يكون له كما للخواص من هذه الأمة.
قال الشعراني معلقا على كلام ابن عربي:
«(فإن قلت): فإذن الإلهام خبر إلهي؟
(فالجواب): نعم وهو كذلك إذ هو إخبار من الله تعالى للعبد على يد ملك مغيب عن الملهم.
(فإن قلت): فهل يكون إلهام بلا وساطة أحد؟
(فالجواب): نعم قد يلهم العبد من الوجه الخاص الذي بين كل إنسان وربه عز وجل، فلا يعلم به ملك الإلهام، لكن علم هذا الوجه يتسارع الناس إلى إنكاره ومنه إنكار موسى على الخضر عليهما الصلاة والسلام، وعذر موسى في إنكاره أن الأنبياء ما تعودوا أخذ أحكام شرعهم إلا على يد ملك؛ لا يعرف شرعاً من غير هذا الطريق. فعلم أن الرسول والنبي يشهدان الملك ويريانه رؤية بصر عندما يوحي إليهما، وغير الرسول يحس بأثره ولا يراه فيلهمه الله تعالى بوساطته ما شاء أن يلهمه أو يعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط وهو أجل الإلقاء، وأشرفه إذا حصل الحفظ لصاحبه ويجتمع في هذا الرسول والولي أيضاً” اهـ.
فانظر كيف جعل ابن عربي الولي كالنبي في تلقي الإلقاء الخاص من الله بلا وساطة، ولم يكتف ابن عربي بتقرير هذا أيضاً بل راح يزعم أن هناك صورة أخرى للوحي للأولياء وهي انطباع صورة ما يريده الله في ذهن الولي.
قال الشعراني:
(فإن قلت): فما حقيقة الوحي؟
(فالجواب): كما قال الشيخ في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات أن حقيقته هو ما تقع به الإشارة القائمة مقام العبارة في غير عبارة، إذ العبارة يتوصل منها إلى المعنى المقصود منها، ولهذا سميت عبارة بخلاف الإشارة التي هي الوحي فإنها ذات المشار إليه، والوحي هو المفهوم الأول والإفهام الأول، ولا عجب من أن يكون عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه. فإن لم يحصل لك يا أخي معرفة هذه النكتة فليس لك نصيب من معرفة علم الإلهام الذي يكون للأولياء. ألا ترى أن الوحي هو السرعة ولا أسرع مما ذكرناه. اهـ.
(فإن قلت): فما صورة تنزل وحي الإلهام على قلوب الأولياء؟
(فالجواب): صورته أن الحق تعالى إذا أراد أن يوحي إلى ولي من أوليائه بأمر ما تجلى إلى قلب ذلك الولي في صورة ذلك الأمر فيفهم من ذلك الولي التجلي بمجرد مشاهدته ما يريد الحق تعالى أن يعلم ذلك الولي به؛ من تفهيم معاني كلامه أو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم علم في الضر به باليد الإلهية، كما يليق بجلاله تعالى وكما وجد العلم في شربة اللبن ليلة الإسراء. ثم إن من الأولياء من يشعر بذلك ومنهم من لا يشعر؛ بل يقول وجدت كذا وكذا في خاطري ولا يعلم من أتاه به؛ ولكن من عرفه فهو أتم لحفظه حينئذ من الشيطان» . وأطال في ذلك في الباب الثاني عشر وثلاثمائة
فانظر كيف جعل ابن عربي الولي كالنبي في تلقي الإلقاء الخاص من الله بلا وساطة، ولم يكتف ابن عربي بتقرير هذا أيضاً بل راح يزعم أن هناك صورة أخرى للوحي للأولياء وهي انطباع صورة ما يريده الله في ذهن الولي.
ولم يكتف ابن عربي بهذا أيضاً بل زعم لنفسه وجماعته الصوفية ما لم يعلمه رسل الله أنفسهم، بل زعم أن الصوفية أحياناً ينزل عليهم الوحي مكتوباً من السماء. وأنه أعني ابن عربي يعلم الفرق بين ما في اللوح المحفوظ من كتابه وما يكتبه المخلوقون، وبذلك يستطيع أن يفرق بين المكتوب النازل من السماء والمكتوب في الأرض..
قلت لم يقل نبي قط ولا أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه أن هناك بشراً اطلع على ما في اللوح المحفوظ ولكن العجيب أن هؤلاء يزعمون العلم والإحاطة به.
بل نقل الشعراني في كتابه (الطبقات الكبرى) عن شيخه الخواص أنه كان يعلم ما يكتب في اللوح المحفوظ ساعة بساعة.. وزعم أحمد بن المبارك أن شيخه الأمي عبد العزيز الدباغ يعلم اللوح المحفوظ ويعلم كتابته وأنه بالسريانية!
والمهم هنا أن ابن عربي يقرر في فتوحاته أن وحي الأولياء كثيراً ما ينزل مكتوباً كما نزلت التوراة مكتوبة..
وللبحث بقية..