آيات تفهم على غير وجهها إبراهيم الصغير

قوله تعالى في سورة القصص: {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}(20).
كلمة (يسعى) ليست من المسألة والسؤال، بل تعني: السير السريع.
قال البغوي: (يسعى) أي: يسرع في مشيه.
نظير ذلك قوله تعالى في سورة طه : {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}(20).
{تسعى} تمشي بسرعة على بطنها.

قوله تعالى من سورة الأحزاب:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}(53).
كلمة (إناه) توحي على أنها من الإناء الذي يقدم فيه الطعام، وبالرجوع إلى التفاسير يتضح أن معناها غير ذلك.
قال الطبري: (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) يعني: غير منتظرين إدراكه وبلوغه، وهو مصدر من قولهم: قد أنى هذا الشيء يأني إنى وأنيا وإناء.
قال الشوكاني: ومعنى ناظرين: منتظرين، وإناه: نضجه وإدراكه، يقال: أَنَى يَأْنِي أَنًى: إذا حان وأدرك.
قال العلامة السعدي: (نَاظِرِينَ إِنَاهُ) أي: منتظرين ومتأنين لانتظار نضجه.

قوله تعالى في سورة الحديد: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}(20).
كلمة (الكفار) تعني الزراع، لا الكفار ضد المؤمنين.
(أَعْجَبَ الْكُفَّار) أي: الحراث قال الأزهري العرب تقول للزارع كافر لأنه يكفر أي: يستر بذره بتراب الأرض، والكفر في اللغة التغطية ولهذا يسمى الكافر كافرا لأنه يغطى الحق بالباطل والكفر القبر لسترها الناس، والليل كافر لستره الأشخاص.
قال الشوكاني: والمراد بالكفار هنا الزراع لأنهم يكفرون البذر، أي: يغطونه بالتراب.

قوله تعالى في سورة الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً}(3).
كلمة (جد ربنا) لا تعني الجد أي أب الأب -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- فهو الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد.
قال القرطبي: الجد في اللغة: العظمة والجلال، ومنه قول أنس: كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد في عيوننا، أي عظم وجل. فمعنى: جد ربنا أي عظمته وجلاله، قاله عكرمة ومجاهد وقتادة. وعن مجاهد أيضا: ذكره. وقال أنس بن مالك والحسن وعكرمة أيضا: غناه. ومنه قيل للحظ جد، ورجل مجدود أي محظوظ، وفي الحديث: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد ).
قال أبو عبيدة والخليل: أي ذا الغنى، منك الغنى، إنما تنفعه الطاعة. وقال ابن عباس: قدرته.

قوله تعالى من سورة المدثر في وصف سقر:{لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ}(29).
(لواحة للبشر) يعتقد العامة أنها تلوح البشر وترمي بهم .
قال البغوي (لواحة للبشر): مغيرة للجلد حتى تجعله أسود، يقال: لاحَهُ السقم والحزن إذا غيره، وقال مجاهد: تلفح الجلد حتى تدعه أشد سوادا من الليل. وقال ابن عباس: وزيد بن أسلم: محرقة للجلد.
وقال الحسن وابن كيسان: تُلَوِّحُ لهم جهنم حتى يروها عيانا نظيره قوله: {وبرزت الجحيم للغاوين}، ولواحة رفع على نعت، سقر في قوله: {وما أدراك ما سقر}، والبشر جمع بَشَرَةٍ وجمع البشر أبشار.
قال ابن عطية: وقوله تعالى: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَر)، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو رزين وجمهور الناس: معناه: مغيرة للبشرات، محرقة للجلود مسودة لها، و(البشر) جمع بشرة.
قوله تعالى في سورة الفجر: {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى} (6).
كلمة (ضالا) لا يراد بها الضلال الذي يعني ترك الحق والعدول عنه.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: الضلال: يكون حسا ومعنى، فالأول: كمن تاه في طريق يسلكه، والثاني: كمن ترك الحق فلم يتبعه.
فقال قوم: المراد هنا هو الأول، كأن قد ضل في شعب من شعاب مكة، أو في طريقه إلى الشام ونحو ذلك.
وقال آخرون: إنما هو عبارة عن عدم التعليم أولا، ثم منحه من العلم مما لم يكن يعلم، كقوله في سورة الشورى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} (52).
استدل لما ذهب إليه بالآيات التالية:
– قوله تعالى في سورة يوسف:8:{إن أبانا لفي ضلال مبين}.
– قوله عز وجل في سورة الكهف:104:{الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا}.
– ومن سورة الشعراء:20 في قوله تعالى:{قال فعلتها إذا وأنا من الضالين}.
قال صاحب اللباب في علوم الكتاب قوله: (ووجدك ضالا فهدى)، أي: غافلاً عما يراد بك من أمر النبوة فهداك أي: أرشدك، والضلال هنا بمعنى الغفلة، لقوله تعالى: {لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} أي: لا يغفل، وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين}.
وقيل: معنى قوله: (ضالاًّ) لم تكن تدري القرآن، والشرائع، فهداك اللهُ إلى القرآن، وشرائع الإسلام، قاله الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما. قال تعالى: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان}على ما تقدم في سورة الشورى.
وقال السديُّ والكلبي والفراء: وجدك ضالاًّ، أي: في قوم ضلال، فهداهم الله بك، أو فهداك إلى إرشادهم. وقيل: وجدك ضالاً عن الهجرة، فهداك وقيل: (ضالاً)، أي: ناسياً شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهفِ، وذي القرنين، والروح، فأذكرك، لقوله تعالى: (أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا). وقيل: ووجدك طالباً للقبلة فهداك إليها، لقوله تعالى: {قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء}، ويكون الضلال بمعنى الطلب؛ لأن الضال طالب.
قال القرطبي -رحمه الله-: (ووجدك ضالا فهدى) أي: غافلا عما يراد بك من أمر النبوة، فهداك: أي أرشدك. والضلال هنا بمعنى الغفلة، كقوله جل ثناؤه: {لا يضل ربي ولا ينسى}. أي لا يغفل. وقال في حق نبيه: {وإن كنت من قبله لمن الغافلين}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *