مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من داع يدعوا إلى هدى إلا كان له مثل ما تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، وما من داع يدعو إلى ضلالة إلا كان عليه مثل أوزارهم لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا” إسناد ضعيف لإعضاله وقد صح من طرق شتى عن أبي هريرة وغيره. أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
قال الطيبي رحمه الله: “الهدى إما الدلالة الموصلة إلى البغية أو مطلق الإرشاد، وهو في الحديث ما يهتدى به من الأعمال، وهو بحسب التنكير مطلق شائع من جنس ما يقال له هدى يطلق على ما قل وكثر والحقير والعظيم، فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحا، وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى، ولهذا عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد ولأن نقصه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدين”.
ولقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا المثل الأعلى كما في الصحيحين حينما قال: “إن مثل ما بعتني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، شربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبث كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم. ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به:.
أقول: ما أروع هذا المثال النبوي الذي شبه به ما بعث به صلى الله عليه وسلم للقلوب كالماء للأرض تارة تشربه فتنبت وتارة تحفظه فيستفاد منه وتارة لا هذا ولا هذا، فيه إشارة إلى أهمية الرسالة ولولاها لم يهتدي العقل إلى تفاصيل النافع والضار من المعاش والمعاذ وحينما أتكلم عن التمييز بين الضار والنافع لا أقصد التمييز بالحس كما يفهم الماديون لأن ذلك يحصل للحيوان لأن الحمار أو الجمل يميز بين الشعير والتراب ولكن أقصد التمييز بين الأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده وإلى مبناها على التوحيد والإيمان.. إلخ
نعم إننا نحمد الله أن أرسل إلينا رسولا من أنفسنا يتلو علينا آيات ربنا ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة ويخبرنا بأن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أشرقت عليه شمس الرسالة وأسس بنيانه عليها ولا بقاء لأهل الأرض ما دامت أثار الرسل موجودة فيهم فإذا اندرست لا سامح الله كان ذلك نهاية العالم ثم قيام الساعة وأختم هذه السطور بقول الحافظ ابن عبد البر المالكي رحمه اله: “حديث الباب -يقصد حديث الموطأ- أبلغ شيء في فضائل تعليم العلم والدعاء إليه وإلى جميع سبل البر والخير لأن الميت منها كثير جدا.. إلى أن قال رحمه الله: وعلى قدر فضل معلم الخير وأجره يكون وزر من علم الشر ودعا إلى الضلال لأنه يكون عليه وزر ما تعلمه منه ودعا إليه وعمل به، عاملنا اله برحمته”.