موقف الفقهاء من تناول الأدوية لإيقاف الحيض في شهر رمضان ومنع النسل د.محمد أبوعام خطيب مسجد الخير -المحمدية-

شاع بين عدد من النساء المسلمات تناول الأدوية لوقف الحيض في شهر رمضان بغرض إكمال الصيام دون قطع أيامه بالحيض.
وقد تردد القول في إيقاف الحيض بين الجواز والكراهة والتحريم وفقا للمقصود منه.
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة قول بأنه يجوز للمرأة سد فم رحمها وفي قول آخر يحرم ذلك عليها إذا كان بغير إذن زوجها .
وفي مذهب الإمام مالك يكره شرب الدواء لتأخير الحيض بقصد العمرة وذلك خشية الضرر على جسم المرأة .
وفي مذهب الإمام الشافعي يجوز لأصحاب الأعذار استعمال ما يبطئ الحمل مدة ولا يقطعه من أصله وإن كان لغير عذر كره .
وفي مذهب الإمام أحمد يجوز شرب دواء مباح لقطع الحيض مع أمن الضرر وقيل لا يباح إلا بإذن الزوج وقيل يستأذن الزوج والصحيح من المذهب جوازه مطلقا إذا أمن الضرر .
والأظهر في قطع الحيض في شهر رمضان الجواز على أن يكون ذلك بدواء مباح وألا يكون فيه ضرر على صحة المرأة؛ فإن كان فيه ضرر عاجل أو آجل حرم فعله لأن الله حرم الضرر بالنفس أو إيذائها بأي فعل في قوله -عز وجل-: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) .
وقد تلجأ المرأة بمفردها أو بموافقة زوجها إلى منع نسلها مطلقا لأسباب عدة منها: الخوف من آثار الحمل ومضاعفاته دون أن يكون لذلك سبب موجب. ومنها الخوف من تربية الأطفال ونفقتهم ونحو ذلك من الأسباب التي ترتبط عادة بمشكلات نفسية أو اجتماعية. فأيا كانت هذه الأسباب فإن منع النسل بالكلية يعد محرما ما لم يكن ذلك لسبب شرعي مانع كالمرض، والأصل في هذا الكتاب والسنة والمعقول.
أما الكتاب فقد أمر الله تعالى الرجال بمباشرة النساء لابتغاء الولد في قوله عز وجل: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) ، وقوله: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) ، وقوله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) . فاقتضى هذا الأمر بالزواج وهذا يستتبع حكما ابتغاء الولد فمنع النسل من أصله يعد مخالفة لأمر الآمر وعصيانا له وخروجا عليه. وقد تأكد هذا بتعظيم الله لحق الولد وتحريم قتله إما خشية الإنفاق عليه أو لأي سبب آخر وذلك في قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) . وقوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً) ، وقوله -عز من قائل-: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) .
وأما السنة ففي حديث معقل بن يسار أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “إني أصبت امرأة ذات جمال وحسب وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال:لا. ثم أتاه الثانية فنهاه؛ ثم أتاه الثالثة فقال: تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الأمم” .
وأما المعقول فإن الله لما خلق الإنسان أراد منه عبادته وإعمار الأرض وإحيائها مدة معلومة ومقدرة وهذا لا يتأتى إلا بالتكاثر. وقد جعل الله التزاوج بين الذكر والأنثى سببا طبيعيا لهذا التكاثر فاقتضى ذلك عقلا أن ينتج عن هذا التزاوج نسل يجعل الإنسان موجودا على الأرض إلى أجل معلوم.
وعند عامة الفقهاء لا يجوز قطع النسل بالكلية لمنافاته لمقتضى شرع الله وحكمته ففي مذهب الإمام مالك لا يجوز للإنسان أن يشرب من الأدوية ما يقلل نسله أو يقطعه؛ فقد قال البرزلي: “وأما ما يقطع الماء أو يسد الرحم فنص ابن العربي أنه لا يجوز” . وقال الجزولي: “ولا يجوز للإنسان أن يشرب من الأدوية ما يقلل نسله” .
وفي مذهب أبي حنيفة لا يجوز استعمال أو تناول الأدوية التي تقطع النسل، يقول صاحب مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: “وأما استعمال دواء لمنع الحمل فهو حرام” ، وقد أكد هذا المعنى في الفتاوى الهندية بأن خصاء بني آدم حرام بالاتفاق ، فكل ما يؤدي إلى قطع النسل والذرية محرم.
وفي مذهب الإمام الشافعي يحرم استعمال ما يقطع الحمل من أصله كما أكد ذلك صاحب حواشي تحفة المحتاج وغيره من فقهاء الشافعية قائلين: “ويحرم استعمال ما يقطع الحمل من أصله كما صرح به كثيرون وهو ظاهر..” .
وفي مذهب الإمام أحمد مثل ذلك حيث يقول صاحب الإقناع لطالب الانتفاع: “ولا يجوز ما يقطع الحمل” ، وقال الإمام المرداوي: “قال في الفائق: لا يجوز ما يقطع الحمل” .
وينبني على ما سبق أنه لا يجوز للمرأة أو زوجها فعل ما يكون فيه قطعا للنسل مطلقا لما في ذلك من منافاة لشرع الله وحكمته في الخلق، أما إذا كان منع النسل مؤقتا بمدة معينة خوفا من أن تكون كثرة الحمل تضعف المرأة أو تسبب لها مرضا؛ أو كان هذا المنع أيضا مؤقتا بمدة معينة بقصد تمكين الوالدين من تربية أولادهما ونحو ذلك فهذا لا بأس به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *