يُشرع في حق من أراد أن يضحي أن يمسك عن قص شعره وتقليم أظافره وأخذ شيء من جلده إذا دخلت العشر من ذي الحجة.
قال الناظم:
وليمسكن عن ظفر وشعر مريدها بعد دخول العشر
وقد وقع الخلاف بين أهل العلم في حكم ذلك على أقوال. انظر المغني 11/95 والمجموع شرح المهذب 1/392 وشرح معاني الآثار 4/181، وأصحها القول بالتحريم لظاهر حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: “إذا دخلت العشرة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا” وفي رواية: “فليمسك عن شعره وأظفاره” أخرجه مسلم وغيره.
قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب سنن أبي داوود 4/96-99 بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في المسألة: “وأسعد الناس بهذا الحديث -أي: حديث أم سلمة- من قال بظاهره لصحته، وعدم ما يعارضه..
وخبر أم سلمة صريح في النهي فلا يجوز تعطيله فأم سلمة تخبر عن قوله وشرعه لأمته فيجب امتثاله”.
وينتهي المنع من ذلك بذبح الأضحية، وإن تأخر ذبحها لآخر وقت الذبح، انظر شرح الزركشي 4/494 والإنصاف 4/109 والشرح الممتع 7/530.
ويشهد لهذا ظاهر حديث أم سلمة عند مسلم وغيره بلفظ: “من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره وأظفاره حتى يضحي”.
ومعنى البشر الوارد في الحديث: جمع بشرة وهو ظاهر الجلد، والبشرة أعلى جلدة الوجه والجسد وهي التي عليها الشعر كما في اللسان 4/60، ومعنى الأخذ من البشرة كمن ينتف جلد رجله إذا كان ميتا أو يابسا. انظر الشرح الممتع 7/531.
وقد ذكر في الحكمة من ذلك: أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي، وجعل لنسك الحج محرمات ومحظورات وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان أثيب عليها، والذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي، وشرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة كالمحرم لا يأخذ من شعره شيئا، وهذا من عدله عز وجل وحكمته. انظر الشرح الممتع 7/529، وقيل غير ذلك انظر المجموع شرح المهذب 8/392.
وإذا أخذ من يريد الأضحية شيئا من ذلك فتجب عليه التوبة ولا فدية عليه كما قال ابن قدامة في المغني 11/96: “..فإن فعل استغفر الله تعالى ولا فدية فيه إجماعا، سواء فعله عمدا أو نسيانا”، وتقبل أضحيته بخلاف ما اشتهر عند بعض العامة أنه لا أضحية له. انظر الشرح الممتع 7/532-533.
مع العلم أنه لو انكسر الظفر تأذى به فيجوز أن يزيل الجزء الذي يحصل به الأذية ولا شيء عليه، وكذلك لو سقط في عينه شعرة أو نبت في داخل الجفن شعر فتتأذى به العين، فأخذُه بالمنقاش جائز لأنه لدفع أذاه. انظر الشرح الممتع 7/532.
هذا الحكم هل هو خاص بمن يضحي أو به وبمن يضحى عنه؟
فظاهر حديث أم سلمة أن التحريم خاص بمن يضحي، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يضحي عن أهل بيته ولم ينقل أنه قال له: لا تأخذوا من شعوركم وأظفاركم شيئا، ولا يلزم من الاشتراك في الأجر الاشتراك في الحكم، انظر الشرح الممتع 7/529-530، إلا أن ابن حزم ذكر في المحلى 7/369 أثرا أن ابن سيرين كان يكره إذا دخلت العشر أن يأخذ الرجل من شعره وأن يحلق للصبيان اهـ، وهذا سند صحيح لكن ظاهر الحديث يخالف مذهبه، لأن الصغار من أهل البيت غالبا لا يتصور منهم إرادة، والحديث علق الحكم بالإرادة فلا يشملهم الحكم والله أعلم.