سلسلة التوحيد عند الصوفية: الصوفية وتفضيلهم لخاتم الأولياء على خاتم الأنبياء : أبو محمد عادل خزرون التطواني

يزعم المتصوفة في تعريفاتهم لختم الولاية: أنه كما للأنبياء نبيا خاتما لهم، فكذلك للأولياء ولي خاتم لهم، وكما أن خاتم الأنبياء أفضل من جميع الأنبياء، فكذلك خاتم الأولياء هو أفضل من جميع الأولياء، وكما أنّه لا نبي بعد خاتم الأنبياء فلا ولي بعد خاتم الأولياء. وهذا ينافي معتقد أهل السنة والجماعة؛ فَالنُّبُوَّةَ عندهم مَخْتُومَةٌ من حيثُ الإِْنْبَاءُ وَالإِْخْبَارُ عن اللَّهِ عَزَّ وجل بنبيِّنَا محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليه وسلم، إذ لا نبيَّ بعدَهُ، أَما الْوِلاَيَةُ فدَائِمَةٌ إلى قيام السَّاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)[1].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الرد على الصوفية في تفضيلهم خاتم الأولياء على خاتم الأنبياء:[2]
وقد ظن طائفة غالطة أنّ خاتم الأولياء أفضل الأولياء قياسا على خاتم الأنبياء، ولم يتكلم أحد من المشايخ المتقدمين بخاتم الأولياء إلا محمد بن علي الحكيم الترمذي، فإنه صنّف مصنفا غلط فيه في مواضع، ثم صار طائفة من المتأخرين يزعم كل واحد منهم أنه خاتم الأولياء، ومنهم من يدعي أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء من جهة العلم بالله، وأن الأنبياء يستفيدون العلم بالله من جهته، كما زَعم ذلك ابن عربى صاحب كتاب الفتوحات المكية وكتاب الفصوص؛ فخالف الشرع والعقل مع مخالفة جميع أنبياء الله تعالى وأوليائه، كما يقال لمن قال فخَرَّ عليهم السقف من تحتهم. لا عقل ولا قرآن، ذلك أن الأنبياء أفضل في الزمان من أولياء هذه الأمة، والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام أفضل من الأولياء، فكيف الأنبياء كلُّهم والأولياء إنما يستفيدون معرفة الله ممن يأتي بعدهم ويدعي أنه خاتم الأولياء؟! وليس آخر الأولياء أفضلهم كما أن آخر الأنبياء أفضلهم، فإن فضل محمد صلى الله عليه وسلّم ثَبَتَ بالنصوص الدَّالة على ذلك، كقوله :أنا سيِّد ولد آدم ولا فخر، وقوله :آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد، فيقول بك أُمرت أن لا أفتح لأحد قبلك. وليلة المعراج رفع الله درجته فوق الأنبياء كلِّهم، فكان أحقهم بقوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَات)[3] إلى غير ذلك من الدلائل، كلٌّ منهم يأتيه الوحي من الله لا سيما محمد صلى الله عليه وسلّم لم يكن في نبوته محتاجا إلى غيره؛ فلم تحتج شريعته إلى سابق ولا إلى لاحق، بخلاف المسيح أحالهم في أكثر الشريعة على التوراة، وجاء المسيح فكمَّلها، ولهذا كان النصارى محتاجين إلى النبوات المتقدمة على المسيح كالتوراة والزبور وتمام الأربع وعشرين نبوة.
وكان الأمم قبلنا محتاجين إلى محدَّثين، بخلاف أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فإنّ الله أغناهم به فلم يحتاجوا معه إلى نبي ولا إلى محدَّث، بل جمع له من الفضائل والمعارف والأعمال الصالحة وما فرَّقه في غيره من الأنبياء، فكان ما فضّله الله به من الله بما أنزله إليه وأرسله إليه، لا بتوسُّط بشر، وهذا بخلاف الأولياء فإنّ كل من بلغه رسالة محمد صلى الله عليه وسلّم لا يكون وليا لله إلا باتباع محمد صلى الله عليه وسلّم، وكل ما حصل له من الهدى ودين الحق هو بتوسط محمد صلى الله عليه وسلّم، وكذلك من بلغه رسالة رسول إليه لا يكون وليا لله إلا إذا اتبع ذلك الرسول الذي أُرسل إليه، ومن ادعى أن من الأولياء الذين بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلّم من له طريق إلى الله لا يحتاج فيه إلى محمد فهذا كافر ملحد، وإذا قال: أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، فهو شرٌّ من اليهود والنصارى الذين قالوا: إنّ محمدا رسول إلى الأميين دون أهل الكتاب، فإن أولئك آمنوا ببعض وكفروا ببعض، فكانوا كفّارا بذلك، وكذلك هذا الذي يقول إن محمدا بُعث بعلم الظاهر دون على الباطن، آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر، وهو أكفر من أولئك؛ لأن علم الباطن الذي هو على إيمان القلوب ومعارفها وأحوالها هو علم بحقائق الإيمان الباطنة وهذا أشرف من العلم بمجرد أعمال الإسلام الظاهرة.
فإذا إدعى المدعى أن محمدا صلى الله عليه وسلّم إنما علم هذه الأمور الظاهرة دون حقائق الإيمان، وأنه لا يأخذ هذه الحقائق عن الكتاب والسنة فقد ادعى أن بعض الذي آمن به مما جاء به الرسول دون البعض الآخر، وهذا شر ممن يقول أؤمن ببعض وأكفر ببعض ولا يدعي أن هذا البعض الذي آمن به أدنى القسمين، وهؤلاء الملاحدة يدعون أن الولاية أفضل من النبوة، ويُلبِّسون على الناس فيقولون ولايته أفضل من نبوته، وينشدون:
            مقام النبوة في برزخ   **** فُوَيق الرسول ودون الولي
ويقولون نحن شاركناه في ولايته التي هي أعظم من رسالته، وهذا من أعظم ضلالهم، فإن وَلاية محمد لم يماثله فيها أحد لا إبراهيم ولا موسى، فضلا عن أن يماثله هؤلاء الملحدون، وكلُّ رسول نبيٍّ وليٍّ، فالرسول نبي ولي، ورسالته متضمنة لنبوته، ونبوته متضمنة لوَلايته، وإذا قدروا مجرد إنباء الله إياه بدون وَلايته لله فهذا تقدير ممتنع، فإنه حال إنبائه إياه ممتنع أن يكون إلا وليا لله، ولا تكون مجردة عن وَلايته، ولو قُدرت مجردة لم يكن أحد مماثلا للرسول في وَلايته، وهؤلاء قد يقولون كما يقول صاحب الفصوص ابن عربى: أنهم يأخذون من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول، وذلك أنهم اعتقدوا عقيدة المتفلسفة ثم أخرجوها في قالب المكاشفة… اهـ

[1] – البخاري (13/293 فتح) ومسلم (3/1523).
[2]  – الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص:104 .
[3]  – البقرة:253.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *