حوار مع د.محمد الدريج حول  الإشكالات التي تعاني منها المدرسة المغربية في العالم القروي حاوره: ذ.الحسين باروش

كيف يعقل أن نقارن وضع تلميذ يحظى بتعليم جيد، وبدعم في مختلف المواد الدراسية تقدمه الأسر مما تدفعه من أموال طائلة للدروس الخصوصية…، وبين تلميذ يجد صعوبة في ولوج المدرسة أصلا أو متابعة الدراسة بها، بسبب الفقر المدقع وبعد المدارس أو قلتها“..

 

في نظركم؛ ما الإشكالات التي تعاني منها المدرسة المغربية وخصوصا (العالم القروي)؟ وما آثار ذلك  على تنزيل قيم المساواة وتكافؤ الفرص في السياق التربوي؟

إن المدرسة العمومية خاصة في العالم القروي والأحياء الفقيرة والمهمشة، غالبا ما تتخبط في العديد من المشاكل والاختلالات، منها: هشاشة البنايات وضعف مرافقها وغياب التجهيزات البيداغوجية والمادية الكافية والجيدة والحديثة، الاكتظاظ، تناسل الأقسام المشتركة، نقص الأطر الإدارية والتربوية وعموما الموارد البشرية الكفءة وسوء توزيعها وعدم استقرارهم المهني والاجتماعي، فقر أسر التلاميذ الذي يؤثر سلبا في اندماجهم ونجاعتهم، الهدر المدرسي، عدم القدرة على تتبع الدراسة، هزالة الخدمات الاجتماعية والثقافية (المنحة، الإيواء،التغذية، الصحة،الملبس، المكتبات،النقل، الرياضة،السفر، الترفيه…)، مما يؤثر سلبا في جودة العملية التعليمية عامة.

(انظر دراسة: “فوارق تعليم الفقراء والأغنياء تعيق تنمية المغرب” /”النمو بالمغرب بطيء وهش لكنه حقيقي”، إعداد فريق عمل في مركز برشلونة للقضايا الخارجية،تلخيص أيوب الريمي).

ومن النتائج/الآثار السلبية لوضعية اللامساواة وانعدام الإنصاف، التي تميز المنظومة التعليمية، نذكر:

1- تخاذل مبدأ توحيد المدرسة المغربية الشهير، حيث نجد في الواقع عدة مدارس بمناهج وتنظيمات مختلفة، وليس مدرسة واحدة كما حلمنا في بداية عهدنا بالاستقلال، وهذه المدارس المتعددة هي انعكاس موضوعي لأشكال اللامساواة الطبقية والفئوية والمجالية السائدة في المجتمع المغربي والتي تقف عائقا قويا أمام تحقيق الديمقراطية المنشودة.

فمن جهة، هناك مدرسة النخبة بمناهج ومحتويات وأساليب وقيم مختلفة “مدرسة حداثية” تولي اللغات الأجنبية وخاصة الفرنسية عناية خاصة ومنفتحة أكثر على القيم والأخلاق الغربية والغريبة. ومدرسة العموم، عصرية في شكلها وتقليدية في جوهرها والتي تتخبط في العديد من المشاكل والتحديات من جميع الأصناف.

وهكذا وضدا عن أبسط مبادئ الديمقراطية، يعمل التعليم على انقسام المجتمع المغربي والزج به، كما يقول محمد صدوقي، “في دوامة مرجعيتين حضاريتين ملتبستين ومفارقتين لمنظومة القيم: تقليد غامض ومتناقض مع واقعه المحلي المعيش وعصره العالمي المفروض، وحداثة (رأسمالية ليبرالية) متوحشة ومعطوبة وسطحية وهجينة، فإن ذلك لن ينتج لنا سوى أزمات قيم، وإنسان تائه وهائم، ومجتمع متأزم فاقد للبوصلة.

“والمدرسة مهما ربت على القيم والأخلاق الفاضلة،فإن درس القيم ينتهي سلوكيا ومعرفيا عند الخروج من أسوارها إلى مجتمع فاسد قيميا، فاقدا لبوصلة حضارية ومجتمعية موحدة وهادفة” (انظر محمد صدوقي(26-05-2012).

 

2- تعميق وضعية الإقصاء والهشاشة بين الأطفال الذين يغادرون المدرسة مبكرا:

من آثار المغادرة غير الطوعية للأطفال وتسربهم المبكر من المنظومة التعليمية،هو سقوط الكثير منهم في وضعية الهشاشة وعدم احترام حقوقهم الأساسية وسوء معاملتهم واستغلالهم، ومن ذلك العودة للأمية،  وسقوطهم في براثين ظاهرة تشغيل الأطفال، التشرد وحياة الشوارع والهجرة السرية، وتعرضهم لكل ظواهر الانحراف والمخدرات والاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي.. والتي تصيب شريحة كبيرة من الأطفال الذين يوجدون خارج نظام التعليم، فلا مجال في هذا السياق، للحديث عن الديمقراطية ولا حتى عن التربية.

3-استمرار التمييز ضد المرأة:

على الرغم من إعلان وزارة التربية الوطنية، بأن مقتضيات برامج إصلاح التعليم من مثل البرنامج الاستعجالي ومن قبله الميثاق الوطني…  تؤكد توفير كل شروط ترسيخ المساواة بين الجنسين وضمان تأمين التحاق الإناث والذكور على حد سواء، بنظامنا التربوي، وإرساء مقاربة  النوع  في  تدبير  قضايا  التربية  والتكوين  والقضاء على كل مظاهر الميز بين الجنسين، على الرغم من ذلك، يبقى الكثير مما ينبغي إنجازه خاصة مع استمرار تزايد عدد الأطفال في سن التمدرس خارج أسوار المدارس بالمغرب، قد يصل سنويا إلى حوالي 360 ألف طفل، منهم 220 ألف من الإناث، و140 ألف من الذكور.

هذه الأرقام وغيرها من المعطيات، تكشف أن السياسة التعليمية المنتهجة ببلادنا سياسة غير ديمقراطية، لا زالت تعمل على إعادة إنتاج نفس الأوضاع والمحافظة عليها،  وعلى تكريس وضعية اللاتكافؤ في الفرص، مما يعمق حدة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. فكيف سنطلب من المدرسة في هذا السياق وأمام هذه الاختلالات، أن تكون ديمقراطية وأن تعلم أبناءنا مبادئ وقيم الديمقراطية والوطنية ؟

وهنا قد يعترض على هذه الأرقام من طرف صانعي القرار التربوي، بأن معظم إحصائياتها تعود لمعطيات سنة 2008 (تاريخ إصدار المجلس الأعلى للتعليم لتقريره الشهير)، وبالتالي لم تستحضر الجهود  المبذولة التي تتجلى أساسا في العديد من البرامج ذات الطابع الاجتماعي مثل برنامج “تيسير” الذي استهدف المناطق الأكثر فقرا وخصص غلافا ماليا مهما لتشجيع تمدرس أطفال هذه المناطق، حيث بلغ عدد المستفيدين من هذه العملية 280 ألف تلميذ، بمبلغ 220 مليون درهم خلال سنة 2010.

وعن حجم الاستفادة حاليا من هذا البرنامج سبق للوزارة أن كشفت أمام البرلمان، (10 ماي 2016)، عن استهداف البرنامج في السنة الأولى من انطلاقته لـ 132 جماعة قروية، وبلغ عدد المستفيدين منه حوالي 829 ألف تلميذا وتلميذة برسم الموسم الدراسي الحالي، في حين بلغت عدد الأسر المستفيدة من البرنامج ما يناهز 000524 أسرة.

فضلا عن برامج أخرى من مثل السعي نحو توفير النقل المدرسي الجماعي أو بالدراجات وتوزيع المحافظ واللوازم الدراسية التي يستفيد منها جل الأطفال المعوزين (برنامج المليون محفظة).

لكن بين هذه الأرقام وما يصرف من ميزانيات ضخمة، تبقى الحقائق على أرض الواقع جد مفارقة، حيث أن هذه البرامج لن تساهم في نظرنا، سوى في التخفيف نوعا ما من معاناة أطفال الفئات الهشة، وفي أحسن الأحوال لن تساهم، ومع افتراض وجود تعبئة قوية لكل الفاعلين والشركاء، سوى في محو أمية بعض أبناء الفئات الهشة، أما تحقيق ترقي اجتماعي وتكافؤ للفرص فهذا ما لا يبدو متوقعا في الأفق المنظور؟ إذ كيف يعقل أن نقارن وضع تلميذ يحظى بتعليم جيد، وبدعم في مختلف المواد الدراسية تقدمه الأسر مما تدفعه من أموال طائلة للدروس الخصوصية…، وبين تلميذ يجد صعوبة في ولوج المدرسة أصلا أو متابعة الدراسة بها، بسبب الفقر المدقع وبعد المدارس أو قلتها، ولكن وبشكل أخطر في عدم تمكنه من التعلمات الأساسية، وأيضا في هدر حقه في تعليم عادل، إذ لم تعد المدرسة تقدم له المعارف الضرورية في اللغات والحساب والعلوم وغيرها للانتقال السلس من مستوى إلى آخر دونما حاجة للتكرار.

وهكذا يعجز النظام التعليمي عن أن يكون دعامة للتنمية الفردية والمجتمعية، وفضاء لتكافؤ الفرص والمساواة والتربية على الديمقراطية، والتوزيع العادل للرأسمال المادي والمعنوي (التعليمي والثقافي) مما ولد وسيولد تمايزات كبيرة بين شرائح المجتمع، وكل ذلك يصب في تعزيز الشعور بعدم الثقة في المدرسة المغربية وفي النظام التربوي، مما يفسر حالة الإحباط الحضاري العام التي يمر بها المجتمع المغربي مما يتسبب في الوضع المقلق، وقد يتطور إلى احتجاجات وحراك وعصيان مدني على شاكلة بعض الدول التي ظلت تغالط مجتمعاتها بالتنمية المغشوشة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *