تدبر القرآن في شهر القرآن الحسين أبدار 

 

شهر رمضان شهر العودة إلى الله، وشهر العودة إلى القران الكريم، فترى الناس من جميع الفئات العمرية يهْجُرون قراءة القرآن الكريم أحد عشر شهرا، ولكن بمجرد قدوم رمضان يقبلون عليه قراءة وسماعا حتى من الذين لا يجيدون الكتابة ولا القراءة.

في شهر رمضان فحسب يكفي أن يمر في شوارع أي مدينة فتسمع آيات بينات من قارئ أو من مسجل، هذا مشهد لا يخلو منه أي بلد مسلم، ولكن ترى ما هذه المفارقة في فهم المسلمين لدينهم وتعلقهم بكتاب ربهم وانفصام شخصيتهم الدينية، إذ أن التعلق بالقران في كل أيام السنة وفي كل حياة الإنسان وليس في رمضان فحسب، لأن القرآن الكريم منهج حياة وليس مجرد كلمات نرددها في مناسبات خاصة.

القرآن الكريم هو أمان وحرز وحفظ للإنسان في كل وقت، والله تعالى يقول: “أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب” (الرعد:28)، فكيف للإنسان أن يعيش هذه الحالة مع الله سبحانه وتعالى في موسم عبادي معين، ولا يستثمرها في كل حياته، حتى يحافظ على طمأنينة القلب والعقل؟

قد نفهم هذه المظاهر من جهة أن للقرآن الكريم لذة وجو خاص لقارئه في شهر رمضان المبارك بحيث يترك الأثر الروحي والنفسي في القارئ على طوال أشهر السنة ما بعد شهر رمضان، ويخلق له شوقا في انتظار هذا الشهر المبارك على مدار السنة، مما يكشف لنا سرا من أسرار هذا الشهر المبارك وهو تعلقه بالقرآن الكريم، من حيث الشوق إلى قراءته، ونزول القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة185)، وكثرة الروايات التي تحث على قراءة القرآن الكريم في شهر رمضان لما له من الأجر عند الله تعالى، لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان.

نعم نحن المسلمين نقبل على القرآن في هذا الشهر العظيم، بقلوبنا وأفئدتنا، لكن عندما ننظر لواقع كثير من الصائمين الذين يتلون القرآن الكريم، نلاحظ أنهم يعنون بالقراءة دون تدبر معاني الآيات، بينما أنزل الله القرآن للتدبر “كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليذكر أولوا الألباب”(ص29)، وبالتالي هل إقبالنا على القرآن في شهر القرآن يكون بالتدبر واستذكار المعاني، أم مجرد تلاوة دون معنى، فلابد للصائم أن يسأل نفسه هذه الأسئلة وهل جلس يتأمل فيما قرأ من سور و آيات.

نعم كثير من الناس متحمسون لقراءة أكبر عدد من السور والآيات وهذا في حد ذاته فعل جميل، ولكن من الواجب عليهم أن لا يكتفوا بالقراءة السطحية لأن العبرة بالنتيجة، نتيجة ماذا استفدت من قراءة القرآن، وماذا غيرت هذه قراءة في حياتك، في سلوكك في علاقتك مع الله تعالى عبر الإحسان في التعامل مع رسالة الله رب العالمين تأثرا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبصحابته الكرام وهم قدوة المسلمين في هذا الجانب، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول فقالت: “كان خلقه القرآن”.

لا معنى للقراءة دون تدبر، والتدبر هو سر القراءة ولذلك حثنا الله على تبر كلامه فقال: “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها” (محمد24).

لم يكن التدبر في القديم درسا يسمع، ولا كتابا يقرأ، بقدر ما كان شعورا ينبض في قلوب المؤمنين، ولذلك لا بد أن يكون هذا القرآن، باللسان ذكرا، وبالقلب تدبرا، وبالعقل تفكرا، وبالجوارح عملا، قال تعالى: “كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليذكر أولوا الألباب” (ص29).

وبهذا التعامل مع القرآن تخرج أبطال ورجال من الجيل القرآني الأول الذين حكموا الدنيا بأخلاق القرآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *