لم يكد مداد مقال (الرجلة أو الجندر) يجف، بعد أن خط قلمُه بيانا للحال الفظيع، والواقع الشنيع، لنساءٍ رفضن أنوثتهن، وتمردن على فطرتهن..
حتى أطل علينا خبر بئيس، ونبأ خسيس ، مفاده أن شخصين -محسوبين على الرجال- من مدينة (القصر الكبير) عقدا فيما بينهما زواجا! بعرس وطقوس كتلك التي تفشت بين المغاربة في ولائم أعراسهم!!
وقد حضرت مراسيم الاحتفال: فرقة موسيقية وممول حفلات، وتم تصويره بالكاميرا، ونقلت الصحف عن بعض من حضر تلك الكبيرة الموبقة والمهزلة السلوكية أن العروس الشاذ كان يرتدي (التكشيطة)، وكان العريس يداعبه ويقبله على إيقاع تصفيق الحاضرين والحاضرات من الشواذ والعاهرات، الذين شكلوا ضيوف هذه الوليمة الشوهاء، والسابقة النكراء.
بل صرح أحد رجال الأمن لجريدة المساء بتورط بعض زملائه في التمكين لهذه الجريمة!! وأنهم تحت ضغط وإغراء شبكة إجرامية وخلية مافيا ذات علاقات داخلية وخارجية تدعم نشاطها ودعوتها التخريبية التي تستهدف سكان المدينة وغيرهم، ولم يكن الحفل إلا مظهرا من مظاهر قوة النشاط وثقة أصحابه بأنفسهم.
كما أن جريدة (الأحداث المغربية ع: 3215) لم تخجل من الدفاع عن هذا المنكر الجسيم، ورمي من استنكره بالتطرف والأصولية!
وقد عبرت ساكنة القصر الكبير عن غضبها واستنكارها الشديد لتلك الجريمة، التي تجاوزت كل الحدود؛ بخروج الآلاف في مظاهرة حاشدة وعفوية.
ثم نشرت صور لذلك كله تؤكد الخبر، وتنفي محاولات التشكيك في صحته.
يأتي هذا المنكر (المجاهرة باللواط)؛ في سياق خطوات كثيرة؛ يخطوها الشواذ من اللوطية والسحاقيات لتطبيع سلوكهم ودعوتهم، وجعلها مستساغة -ولو مع علامة تعجب- عند المغاربة، وهي خطوات أيضا لتشجيع بعض من ارتد فكره وانتكست فطرته؛ فجعل ينادي بإقرار تلك القبائح باسم احترام حرية الإنسان، وكفالة حقه في ممارسة شذوذه، كما هو الشأن في البلاد الغربية.
لقد بدأت ظاهرة هذا الصنف من البشر تطفو على سطح واقعنا، وتلوكها الألسنة بكثرة خلال صيف (عام 2005) حين ألقى رجال الأمن القبض بمدينة (تطوان) على أكثر من عشرين شابا وشابة، بتهمة الشذوذ الجنسي، وتمت محاكمتهم.
وقد أصدرت رابطة علماء المغرب آنذاك، بيانا تستنكر فيه وجود هذه الظاهرة الخبيثة ببلدنا المسلم، وتطالب بالصرامة الكاملة في مواجهة طلائع هذا الغزو الفاجر الذي يهدف إلى مسخ الأخلاق بالكلية، وتوسيع دائرة الفاحشة والمنكر بربوع وطننا.
غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل بدأنا نسمع همسات من طرف أولئك المرضى، أصحاب الاضطرابات النفسية والعقلية، يصرحون فيها بأن من حقهم ممارسة تلك الطامات، وأنهم أحرار يفعلون ما شاؤوا بذواتهم!! وأنهم سيعقدون مؤتمرا علنيا بمراكش، بعد أن كانت اجتماعاتهم سرية في البيوت!
وفي هذا الصدد أيضا كشفت (الجريدة الأخرى) في عددها (رقم:66) بأن (موسم علي بن حمدوش) الذي توجد زاويته وضريحه ببني راشد قرب مكناس، يمثل وجهةً للشواذ، ويُعد موطنا لأكبر تجمعاتهم، حيث يفدون إليه من مختلف مدن المغرب، ويمارسون الطقوس الشركية ويقدمون القرابين للوتن، ويرقصون وقد ارتدَوا قفاطين النساء وحُلِيّهن، ووضعوا (المكياج)! ويتكلمون بميوعة ودَلال لا تتقنه النساء!! ثم يُعقد قران عدد منهم!!!
وهذا الموسم البدعي المضر بعقيدة المسلم يقام في (التاسع عشر من ربيع الأول) من كل عام، مباشرة بعد انتهاء نظيره المعروف ب: (عمرة! ضريح الهادي بن عيسى) بمكناس!!!
وقد أجرت الجريدة المذكورة استجوابا مع أحد مرضى القلوب أولئك، وهو مَاجِنٌ متمرد، استوطن مدينة (باريز) الفرنسية، وجعل يدعو إلى هذه الفاحشة لِيُشيعها بين الناس، وقد بدت من كلامه الرغبة في كسر حاجز الحياء من التحدث في مثل هذا الموضوع، ولسان حاله يقول لأمثاله من اللوطية والسحاقيات: أفصحوا ولا تُكْنوا، واجهروا بأحوالكم.
وهو ما حصل فعلا؛ فقد بدأنا نقرأ في الصحف تصريحات الشواذ والشاذات، وزعمهم بأنهم أناس طبيعيون، وأن ميولاتهم ليست أمراضا نفسية أو عقلية أو عضوية، بل هي ميولات غريزية ينبغي إشباعها!
وصدق أنبياء الله: “إذا لم تستح فاصنع ما شئت”.
.. ثم أسس شواذ مغاربة جمعية خاصة بهم، أطلقوا عليها اسم: “كيف.. كيف”، أعلنوا عنها هذا العام في اليوم العالمي للشواذ، (27 يونيو)، وتطالب هذه الجمعية بالمساواة بين الشواذ جنسيا وباقي المواطنين العاديين في الحقوق الاجتماعية والقانونية وتحقيق مزيد من المكاسب!
ولا إخال أصحاب هذه المنكرات ينزجرون بتذكيرهم بخطورة سلوكهم، وأنه مجلبة لغضب الخالق جل وعلا، وسبب لنزول العقوبات، وحلول المثُلات؛ فما لجرح بميت إيلام..
ولا أظن قلوبهم تتأثر بموعظة نبي الله لوط عليه الصلاة والسلام لأمثالهم، أو تتحرك لسماع ما نزل بقومه من العقاب الإلاهي:
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ، قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ، قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ، رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ، فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ، ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء].
وقال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} (هود).
ويغلب على ظني أيضا؛ أنهم لن يعدموا وسيلة لتفادي عقوبة القانون الجنائي المغربي الذي جاء في الفصل 483 منه:
(من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء، وذلك بالعري المتعمد، أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين، وبغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم).
ولكنني أدعو من له غيرة على هذا البلد وقيمه وخصوصياته، وأندب أصحاب المروءة والشرف؛ أن يقوموا بواجبهم لمحاصرة هذه الظاهرة، والسعي لعدم تفشيها حتى تصير مألوفة كحال كثير من المنكرات.
وأود أن أؤكد هنا؛ أن هذا لن يتحقق بمجرد قيام سلطات الأمن ووكلاء الملك والقضاة بواجب عقوبة هؤلاء، بل لابد أن توضع خطوات متكاملة ومرتبة لعلاج الظاهرة، تنطلق من تشخيص أسباب الداء، وتنتهي باتخاذ الوسائل العملية الممنهجة لعلاجه..
إن من قلة العقل أن تبح حلوقنا من الصراخ الشاجب لهذا المنكر، وتتألم قلوبنا لانتشاره؛ دون أن نبحث عن أسبابه، ونفتش عن خلفياته؛ والتي منها:
1 – غياب الرقابة الشرعية على وسائل الإعلام.
2- الانفتاح على الغرب دون التوعية بمكامن الخطر في ثقافته.
3 – خدمة المنابر الدعوية والمناهج التعليمية لفلسفة الإباحية.
4 – ضعف أو غياب دور الأسرة في التربية والوقاية من الانحرافات الفكرية والسلوكية..
فإعلامنا يعرض كل ما تقذفه أرحام المنحرفين، بكل ما في ذلك المقذوف من إفرازات نجسة وجراثيم سامة..
والعجيب أن في الوقت الذي يهتم العقلاء بحماية أنفسهم وأهل مجتمعهم من أسباب تلك الدنايا وآثارها المدمرة، نجد المسؤولين عن الإعلام في بلدنا ينقلون إلى أمتهم السم الزعاف الذي يولد ويشجع تلك الممارسات الساقطة.
ولا يزال أكثر المثقفين -الذين يمَكَّن لهم لتوجيه والتأثير في فكر المغاربة- محجمين عن بيان ضوابط الانفتاح على الغرب، التي تجعل ذلك الانفتاح في صالحنا، ويمكننا من السلامة من كثير من الآفات التي تنبع من نمط الحياة الغربية.
أما الأسرة فقد سقاها سدنة الإباحية جرعات من مخدر، جعلها معاقة عن لعب أي دور في مواجهة تلك الانزلاقات الخطيرة.
وإذا كان دعاة الشذوذ الجنسي -وغيره من السلوكيات المنحرفة-؛ يعملون على المدى البعيد من أجل تحقيق أهدافهم، فإن دعاة الإصلاح ينبغي أن يكونوا أشد عناية بوضع الخطط والبرامج الكفيلة بمحاصرة الرذيلة، والتمكين للفضيلة.
وهو ما نهيب بعلماء بلدنا أن يضطلعوا بالجانب الأكبر منه؛ قياما بالواجب، وأداءً للأمانة، وأن يسخروا لذلك المؤسسات الرسمية والجمعيات المدنية التي يعملون في إطارها، تتقدمها المجالس العلمية، ومجلسها الأعلى، والرابطة المحمدية..
{وَلَوْلَا دفاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة).