تحليل رواية “كسوف عقل” للكاتب والروائي المغربي بوجمعة حدوش   مصطفى قدوري

تقديم:

      الرواية نص سردي طويل، وهي أكبر عمل قصصي تتراكب فيه الأحداث وتتنامى بتعدد الأزمنة وتنوع الأمكنة وتوظيف الشخصيات، يجد فيه السارد مجالا رحبا يعكس فيه نظرته للحياة وفلسفته وواقعيته، وذلك عن طريق السرد والوصف والحوار.

والرواية التي بين أيدينا بعنوان “كسوف عقل” للكاتب والروائي المغربي بوجمعة حدوش، ستصدر له قريبا عن دار القرويين للنشر والتوزيع، حي المغرب العربي بالقنيطرة سنة 2019.

بعد قيامنا بالتدقيق اللغوي لهذه الرواية، والتمعن في أفكارها، وما تحمله من معانٍ ودلالات، نستطيع تحليل أحداثها على الشكل التالي:

  • جرد الوقائع: ويتعلق الأمر هنا باستخراج أبرز الأحداث الواردة في النّص وتصنيفها إلى: حدث محوري، ومتواليات سردية. وذلك كالآتي:

الحدث المحوري: تدور أحداث هذه الرواية حول قصة إلحاد شخص وعدم اقتناعه بالإيمان نتيجة لقساوة تعامل الأب معه، ثم اتفاق عائلته مع أصدقائه حول خطة يستطيعون بها إرجاعه إلى الدين الإسلامي. وقد تحقق رجاؤهم بعد عناء طويل من المناظرات، وتعرضهم لصدمات فشل الخطط.

المتواليات السردية:  

المقطع الأول: عبارة عن استهلال رومانسي قدّم فيه السارد حكاية نجار في الحي يدعى السيد فهمي أُعْجِبَ بفتاة جميلة خجولة تقطن بالحي نفسه، حشمتها وخجلها جعلا السيد فهمي يقع في حبها، ثم تبادله هي الأخرى الشعور نفسه، لينتهي حبهما بالزواج، فخلّفا نتيجته ابنين: فتاة تدعى جمانة، وفتى يدعى صامد.

المقطع الثاني: وفيها كبر الأبناء، وأصبحت جمانة طالبة تتابع دراستها في إحدى الكليات إلى جانب صديقتها أميمة، أما صامد فدرس علم النفس وتخرج، ثم اشتغل أستاذا لعلم النفس بمؤسسة “داوكينز” بعد قبوله من طرف مديرها “رامز” الملحد الذي أشبع صامد أفكارا إلحادية، الأمر الذي جعله يقتنع بفكرة الإلحاد، ويتمم ما بدأه أبوه من قساوة في التعامل معه تجاه الصلاة والإسلام.

إن إلحاد “صامد” جعل كل أحداث الرواية تتشابك فيما بينها وتتعقد، وهو الشيء الذي اقتضى تدخلا من العائلة والأصدقاء لإيجاد حل لمشكلة مآلها قد يكون الانتحار، فقد اتفق السيد فهمي وابنته جمانة على الذهاب إلى المؤسسة التي يشتغل فيها ابنهم لعلهم يجدون سببا أو أسبابا لإلحاده، وفي الوقت ذاته اتفق صديق “صامد” صفوان” مع “يوسف” على مواعيد المناظرة التي ستجرى بين “يوسف” و”صامد” حول مسألة “وجود الله”، أما أخت يوسف “نرمين” أستاذة التربية الأسرية بمؤسسة “داوكينز” فكانت تتقمص شخصية الملحدة لإقناع مديرها بذلك، ثم الوصول إلى هدفها الأساسي وهو إيقاعه في شَرَك الشرطة. أما “أميمة” خطيبة صامد فقد اتفقت مع تلميذة صامد “براءة” بتعاون مع “نرمين لتسجيل الحوار الذي يدور بين رامز والأساتذة الذين يشتغلون في مؤسسته؛ حيث يدعو فيه صامد إلى نشر الإلحاد بين تلميذات وتلاميذ المؤسسة. إلا أن إلحاد صامد لم يكن السبب الوحيد الذي كَسفَ عقله، وإنما تزامن مع موت أمه بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان، وهي الغُمة التي أدخلت الحزن والهم في قلب زوجها فهمي الذي لحِق بها إلى الروضة الخضراء بعد يومين من وفاتها.

المقطع الثالث: وفيه تحققت الأهداف المنشودة التي ابتغتها المجموعة؛ وأولها استطاعة يوسف بفطنته وصبره وتحمله وذكائه، وتمكنه من الحجج والأدلة إقناع صامد بالإسلام، وثانيها قدرة نرمين بذكائها، وتظاهرها باتباع شهواته، وتلاعبها بعقل رامز، كان آخرها رغبته تدريس التلميذات والتلاميذ حصصا تطبيقية للتربية الجنسية في شقته من طرف الأستاذة نرمين، وهو الشيء الذي استغلته لصالحها بعد إسماعها الشرطة لشريط الفيديو الذي سجلته خلسةً، ثم اتفاقها معهم حول مكان وزمان تطبيق صامد لعمليته الإباحية، مما جعلهم يتدخلون على الفور للقبض عليه، والحكم عليه بأربعة عشر سجنا نافذا، وعلى أصدقائه الذين شاركوه أحداث جرائم الضرب بدون نية القتل في يوسف، وبنية القتل في صامد، بسبع سنوات نافذة لكل واحد منهم. أما ثالثها فكان مع أميمة خطيبة صامد التي أخبرت جمانة أنها ستحاول إقناعه بترك دينه لدينها إن تبين له حجة ما يتبعه، أو ترك دينها لدينه إن اتضح ما يقنعها في ذلك، وهي رسالة مضمرة منها إلى صامد لتوجيهه إلى يوسف وقبول التناظر معه. ورابع هدف كان مع التلميذة براءة التي شاركتهم في الخطة واستطاعت أن تضع شريط التسجيل في قاعة اجتماع رامز بالأساتذة. لتنتهي أحداث الرواية بإخبار صامد بالخطة التي رسموها من أجله بعد معافاته من ألم الضرب، واسترجاع بصره، وهو الاجتماع الذي استغله لصالحه لإخبارهم بموعد الزواج بأميمة ودعوتهم للحضور وشكرهم على كل فعلوه من أجله.

عموما نقول إن الرواية استطاعت أن تطير في عالم الروايات العالمية، سواء من حيث البناء أو من حيث الدلالة؛ فمن جانب المعنى قدّمت لنا الرواية مجموعة من الأفكار عن الملحدين وجرائمهم، بل وكل المشككين في وجود الله. ومن جانب البناء فقد أعجبني فيها سلاستها في التعبير، وضوح وتسلسل أفكارها، بيان ألفاظها وفصاحتها، سهولة لغتها، بُعْدُهَا عن كل تعقيد لغوي أو معنوي، وفطنة كبيرة في توظيف وانتقاء شخصياتها.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *