تماماً مثل الملاكمين الأذكياء في مرحلة الصراع النهائية، تعاون المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر مع جماعة “الإخوان المسلمين” بكل حذر منذ أن أسقط الربيع العربي الرئيس حسني مبارك في فبراير 2011، لكن بعد أن منعت اللجنة الانتخابية التي عينها المجلس 10 مرشحين من الترشح للانتخابات الرئاسية في شهر مايو، منهم مرشح “الإخوان” خيرت الشاطر، ربما انتهت مرحلة الحذر الآن، وقد تواجه مصر أوقاتاً عصيبة في المرحلة المقبلة.
تخلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن مبارك بعد أن أدرك أن المحتجين المصريين لن يستسلموا أمام حملات الترهيب واستعمال القوة، ولكنه كان يخشى الانتفاضة الشعبية على اعتبار أنها ستؤدي حتماً إلى تعزيز سلطة “الإخوان”.
وعلى الرغم من تطمينات “الإخوان” بشأن صون الديمقراطية والتسامح الديني، بقي الجنرالات مقتنعين بأن هذه الجماعة تهدف إلى إقامة دولة إسلامية، ولا شك أن القيادة العليا للجيش ووكالات الاستخبارات تشعر بالقلق من أن يتم التحقيق بسجلها القمعي خلال عهد مبارك الطويل في حال حكم “الإخوان” مصر، وبالتالي ستحصل تصفية حسابات واسعة النطاق لأن قادة تلك الجماعة تعرضوا للمضايقات والاعتقال والتعذيب في العهد السابق.
ردت مؤسسات الجيش والاستخبارات على الوضع عبر محاولة إنشاء نظام سياسي يحمي إمبراطوريتهما الواسعة ويضمن دورا سياسيا للجيش بعد حقبة مبارك، لذا لا بد أنهما ارتبكتا عند إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في شهر يناير: فاز حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة “الإخوان” بنسبة 45% من المقاعد البرلمانية (عددها 508 مقاعد)، بينما حصد حزب النور السلفي وشريك جماعة “الإخوان” 25% من المقاعد.
كانت إستراتيجية “الإخوان” تقضي بتجنب منح المجلس الأعلى للقوات المسلحة أي عذر لتبرير إطلاق حملة قمعية، لذا تراجعوا خلال بعض فترات التظاهرات التي استمرت إلى ما بعد سقوط مبارك، حتى إن البعض اتهمهم بالتواطؤ مع الجنرالات.
ورغم نجاح الجماعة في الانتخابات البرلمانية، إلا أنها رفضت طرح مرشح عنها للرئاسة ومنعت أعضاءها من الترشح.
عندما خالف المسؤول البارز في الحزب، عبد المنعم أبو الفتوح، تلك الأوامر ودخل المنافسة في الصيف الماضي، طُرد من الحزب فوراً، لكن سرعان ما غير “الإخوان” مسارهم ورشحوا الشاطر في 31 مارس بعد أن استاؤوا من الآليات السياسية التي اعتمدها المجلس الأعلى للقوات المسلحة وشعروا بالقلق من شعبية المرشح السلفي المحافظ حازم صلاح أبو إسماعيل.
اشتدت الحمى السياسية بسبب قرار اللجنة الانتخابية الأخير مع أنها أعاقت أيضاً ترشح عمر سليمان الذي كان لفترة طويلة أمين سر مبارك ونائبه في الأيام الأخيرة من حكمه ورئيس الاستخبارات طوال 18 عاماً قبل ذلك.
لكن لن يهدأ “الإخوان” بعد سحب ترشيحه ولن تهدأ شريحة واسعة من المصريين بفعل هذا القرار أيضاً. يدرك هؤلاء أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعرف أن سليمان لا يستطيع الفوز مطلقاً؛ وأن الجنرالات دعموا ترشيحه ثم سحبوا دعمهم له كي يثبتوا أنهم يتعاملون بشكل متكافئ وحيادي تزامناً مع السعي إلى تحقيق هدفهم الحقيقي: إعاقة مسار الشاطر وإسماعيل اللذين يُعتبران شخصيتين جذابتين تستطيعان تعبئة الناخبين.
كذلك، حُظر مرشحون آخرون، بمن فيهم الليبرالي أيمن نور الذي اعتُقل مثل الشاطر في عهد مبارك. لكن يبقى الإسلاميون الطرف الحقيقي الذي يستهدفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولا يصدق معظم المصريين الحجج القانونية المضللة لتبرير حظرهم.
ربما يتوقع المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتقاسم المرشحون الثلاثة عشر المتبقون الأصوات الانتخابية، ما يحرم الجميع من تحقيق فوز ساحق. بعد ذلك، يمكن أن يفوز في الجولة الثانية مرشح غير إسلامي، مثل عمرو موسى الذي كان وزير الخارجية في عهد مبارك وأمين عام جامعة الدول العربية سابقاً.
ستكون هذه النتيجة أفضل بكثير بالنسبة إلى مؤسستي الجيش والاستخبارات بدل أن يفوز رئيس ينتمي إلى “الإخوان”، سيما في ظل سيطرة الإسلاميين على البرلمان في الوقت الراهن.
إذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يراهن على حدوث ذلك فعلاً، فسيكون الرهان كبيرا وشائكا حتما، وإذا تدفق المحتجون إلى الشوارع مجدداً وأطلق الجنرالات قوات الجيش والشرطة للتصدي لهم، فقد تندلع أعمال العنف، وقد يقرر المجلس و”الإخوان” في هذه الحالة خوض مواجهة حاسمة.
هكذا قد ينحرف مسار الديمقراطية الشائك في مصر وقد يغرق البلد في اضطرابات طويلة الأمد. إذا كانت واشنطن تريد فعلاً إرساء الديمقراطية في مصر، نظرا إلى روابطها القديمة مع مؤسسة الجيش والاستخبارات المصرية، فقد حان الوقت لرفع الصوت الآن لمنع التدخل في نتائج الانتخابات.