حوار مع لطفي الحضري حاوره: محمد زاوي

د.لطفي الحضري*: بما أن الرغبة في الانتحار داء فإن لها دواء

 

 

1-في نظركم، د. لطفي الحضري، ما هي الدوافع السيكولوجية للانتحار؟ وكيف يحلل السيكولوجيون هذه الظاهرة؟

يجب أن نفرق أولا بين محالة الانتحار والرغبة الحقيقية في الانتحار. فالعديد من محاولات الانتحار تسمى، في الحقيقة، بمحاولات الانتحار فقط، والشخص هنا عموما لا تكون عنده رغبة في الانتحار، وإنما يكون هدفه هو إيصال رسالة للأسرة والمجتمع بأن لديه مطالب ورغبات وحالات ألم، فيريد أن يصل إلى أعلى مستوى بأن يبين رغبته بطريقة معينة. وكما ذكرت، فهي رغبة مرتبطة بحالات الألم. وهناك حالات الانتحار الهادف، بمعنى أن يكون هدف الشخص الأساسي هو الانتحار منذ البداية، وهؤلاء يكونون أقل بالمقارنة مع النسبة المئوية لمحاولة الانتحار.

هناك نوعان من أسباب الانتحار عموما:

– أسباب مرتبطة بالمشاكل وفقدان الأمل في الحياة، بحيث يكون هذا الفقدان مرتبطا بحالة من الألم، يصل إليها الشخص ولا يرى أن هناك حلا أو أفقا  لحلمشكاله. فيرى الشخص أن هذه المشاكل صعبة جدا، وليس لها حل، كيفما كان نوع هذه المشاكل، ما يؤدي إلى الاكتئاب. فعموم الناس الذين يعانون من الاكتئاب تأتيهم لحظات من الرغبة في الانتحار، والاكتئاب دائما ما ترافقه أفكار وسواسية في الانتحار، ومن أعراضه: الألم وفقدان الأمل في الحياة.

– أسباب مرتبطة بالأمراض النفسية الذهانية، حيث لا يكون عند الشخص حالة ألم، ولا يكون عنده وعي كامل بالفرق بين الحياة والموت، ما ينتج لديه وساوس قوية جدا تدفعه للانتحار، فيفقد الشخص القدرة على منع نفسه من اللجوء إلى الانتحار. وهناك حالات مرضية، يعتقد فيها الفرد أن هناك هجوما عليه من أسد يراه (حقيقة)، فيمكن له أن يعرض نفسه لسيارة، أو أن يلقي بنفسه من أعلى عمارة، أو ما شابه ذلك.

وبالطبع، ليس هناك معيار للألم، فهناك من قد يستغرب بعض أسباب الانتحار عند غيره، إلا أنها تكون مؤثرة وقوية بالنسبة للشخص المنتحر. والسبب الحقيقي للانتحار، كما ذكرت سابقا، ليس مرتبطا فقط بالمشاكل، بل إنه يكون مرتبطا ب: المشاكل، بالإضافة إلى الألم، ثم فقدان الأمل في الحياة. فتفاقم المشاكل، قد يؤدي إلى ضغوط وسواسية وآلام، قد يصبح بفعلها الشخص مفضّلا للموت على الحياة. إلا أنه يكون مسؤولا عن فعله، ويكون فعله اختياريا على المستوى النفسي، بالرغم من اختياره له تحت الضغط. ولكن، بالنسبة للأمراض النفسية الذهانية، ليست هناك عملية اختيارية. وهذه أمور مهمة جدا، ويبدو أن الفقهاء اهتموا بهذه الفوارق، لنفهم حقيقة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالانتحار. وهذا من المسائل الدقيقة في الفقه عموما، وهو ما يسمى بفقه الفروق.

2-هل يمكن أن نجد في المغرب ما يفسر سيكولوجيا حالات معزولة من الانتحار هنا وهناك؟

لا يمكنني أن أحسم معك بأن هناك حالات معزولة للانتحار، فلم أجد وقتا لأعود للاحصائيات الموجودة في المغرب لأتأكد من ذلك. ولكن، كيفما كان الحال، فهي لم تعد تشكل حالات معزولة، بل أصبحت حاضرة بقوة. فمثلا، مؤخرا، في مدينة الشاون، كان هناك تكرار ملاحَظ لعملية الانتحار. وبخصوص تفسير الانتحار، فلا وجود لأياختلاف على المستوى العالمي في تحديد الدوافع النفسية له. الفرق عند الناس يكمن في جانب القدرة على التحمل وعلاقة الإنسان بالله، وهو ما يخفف اللجوء إلى الانتحار عند كثيرين. وأنا شخصيا، عندي العديد من الناس الذين يعيشون خواطر وحالات الإحساس والرغبة في الانتحار، ويقولون دائما بأن الخوف من الله عز وجل والارتباط به هو الذي يمنعهم من الانتحار. هناك أسباب عامة للانتحار، كما أبرزنا ذلك سابقا. ولكن، هناك أسباب أخرى خاصة بالعالم العربي والإسلامي والشعوب الأخرى المحافظة، حيث نجد حالات انتحار لفتيات ينتج لديهن حمل خارج مؤسسة الزواج، فينتحرن خوفا من الأسرة وفقدانا للأمل في مجتمع تركهن لأنفسهن، فلا يجدن إلا الانتحار كحل وحيد، بعد فقدان الأمل وضعف العامل الإيماني، مما قد ينتج عنه تبرير للانتحار.

3-هل يصل المنتحر إلى نقطة للاعودة بعد إقدامه على محاولة انتحار فاشلة، أم بإمكان المعالجين النفسانيين إعادته إلى حالته الطبيعية؟

بالطبع، كما قلت، يمكن أن يصل الشخص إلى نقطة اللاعودة عندما تكون لديه الرغبة في الانتحار، وليس فقط محاولة الانتحار. وبإمكان الأطباء النفسانيين إرجاع الشخص إلى حالته العادية، عند فشل محاولة الانتحار، بالاشتغال على أسباب الانتحار من اكتئاب وألم وفقدان أمل. وفي حالة الأمراض الذهانية الخطيرة، يتم الاشتغال على الجانبين النفسي والدوائي بالنسبة لمن فشلت محاولته في الانتحار أو يفكر فيه، وكذلك لإرجاعه من حالة الانتحار القوية إلى حالة الانتحار العادية.

4-هل من دور لمشروعكم “علم النفس الفطري” في الوقاية من الاضطرابات النفسية المؤدية للانتحار؟ وكيف ذلك؟

في مقاربتنا التي تنطلق من “علم النفس الفطري”، نعتقد بأن لكل داء دواء، وبما أن الرغبة في الانتحار داء، فإن لها دواء، “فما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله”.ونحن في “علم النفس الفطري”، نشتغل على جانبين:

– جانب دوافع وأسباب الانتحار، بالتقنيات والمفاهيم والمرجعية والعديد من المسائل التي يمكن من خلالها التفصيل فيها.

– جانب الوساوس، حيث تأتي الشخص دوافع وسواسية للانتحار كل لحظة، فيحس بأنْ ليس في الحياة إلا الألم، وأنه لا بد من الانتقال إلى عالم آخر لا ألم فيه. ونحن، في “علم النفس الفطري” نحاول أن نعطي الشخص المريض أملا في الحياة، وهو ما نسميه ب”فقه الحل”، فكل مشكل له حل. كما نحاول إدماج الأسرة في عملية العلاج النفسي، لأن أغلب حالات الانتحار تنتج عن إحساس الشخص بوحدته، أو عن ضغوط أسرية لأخطاء أو آثام أو حرام ارتكبه، في مجال المال أو الجسد أو ما يتعلق بالخيانة. وبالتالي، ف”علم النفس الفطري” يبحث إما عن حلول ذاتية خاصة بالشخص، وإما عن حلول أسرية في علاقته بأسرته، وإما عن حلول واقعية أخرى قد تكون مرتبطة بالإدمان.

ـــــــــــــــــــــــــــ

 أستاذ جامعي، متخصص في السيكولوجيا*

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *