كم نحن في حاجة إلى يقين “العجائز”.. في النفس والتاريخ..(!؟) محمد زاوي

 

 

لا يرى المؤمن الدين إلا كما وجده. يبحث في حقيقته، ولكنها لا تعدو أن تكون حقيقته وحده. يؤمن بداية، ويدعم إيمانه شيئا فشيئا حتى يبلغ أشده. يقرأ القرآن والحديث بخشوع، فهما أساس استنباط الأحكام الشرعية عند أهل السنة والجماعة (المرجعية العليا للقرآن والسنة). يجد بعض التأويلات والتفاسير المختلفة في نصوص بعينها (ما هو ظني الدلالة)، فيقال له: “عليك بما أجمعت عليه الأمة”. يلزم غرز الجماعة، فيتحقق بالعقيدة السليمة والعبادة الشرعية والسلوك السني. مستقيم مرتاح منضبط، يعلم أن الدنيا دار عبور لا تدوم، وأن الآخرة خير له من الأولى.

يدرس فقهاءُ عصره كتب “الحوفي” و”السيوطي” و”الزركشي” و”عبد الله دراز”، فيخبرونه بأن القرآن: “كتاب أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، عبر ملاك الوحي جبريل عليه السلام، منجما عبر الوقائع والأحداث. بلغنا بالتواتر، لنحتكم إليه في العبادات والمعاملات ونتعبد بتلاوته. وهو الموجود بين دفتي المصحف الشريف، من سورة الفاتحة إلى سورة الناس”.

يتدارسون “البيقونية” و”طرفة الطرف” و”نخبة الفكر” و”ألفية العراقي” وكتب “الرجال”، فيخبرونه بأن “كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم موجب للعمل”. وينبهونه إلى أن التصحيح والتضعيف والتحسين حرفة حديثية لا يجيدها إلا علماء “مصطلح الحديث”، ولا يتبع فيها من لا يكون أهلا لها.

يوجهونه إلى أخذ العقائد والعبادات والأخلاق من مرجعيته العليا: الكتاب والسنة. ويرشدونه إلى “ابن كثير” و”التحرير والتنوير” و”مقدمة في أصول التفسير”، كما ينصحونه بالاطلاع على “شروح الأربعين النووية” و”فتح الباري” و”الأنوار السنية”.

يرجع إلى كل ذلك، فيتلذذ بقراءته ومحاكاته في سلوكه والعيش على أمله.

من المؤمنين من يعود إلى هذه الكتب، ومنهم من يكتفي بتوجيهات الفقهاء والوعاظ. ولكنهم جميعا مطمئنون ثابتون صامدون، لا يجدون في أنفسهم حاجة إلى طرح السؤال حول دينهم من خارج الإطار الذي ينتمون إليه.

لن يطرحوا السؤال جماعات، لن يطرحوه إلا إذا دفعتهم إلى ذلك دوافع اجتماعية موضوعية. قد يشذ الأفراد، ولكن فكر الجماعات (المجتمع) لا تصنعه تجاوزات الأفراد. يصلح “الشك المنهجي” للباحث المسؤول العاكف على تخصص من التخصصات في مختبره، ولكن الشعوب لا تتحرك إلا باليقين. يشكل اليقين في حياة الشعوب عامل قوة في مختلف معاركها التاريخية، وما يكسبها الشك إلا الضعف في تلك المعارك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *