المعالم الخمسة “للشذوذ الجنسي” من “سدوم” إلى “فرنسا” طارق الحمودي

 

 1- التاريخ والجغرافيا

يُرجع المؤرخون والأنثروبولوجيون تاريخ “الشذوذ الجنسي” إلى أزمنة قديمة، مقررين أنها حالة تاريخية مستمرة، لا يُعرف لها بداية على وجه التحديد، والمؤكد عندهم أنها صفة لقوم “سدوم“، ولعلهم “قوم لوط” الذين نسب إليهم القرآن الكريم “إتيان الذكور شهوة من دون النساء“، وهذا التعريف القرآني هو نفسه تقريبا ما استقرت عليه المعاجم اللغوية العالمية في تعريف “الشذوذ الجنسي“، فيبدو أن هناك اتفاقا بين الجميع على “وجود” هذه الحالة في العالم القديم، ثم استمرارها، حتى “الشاذون جنسيا” يعترفون بذلك، لأنه جزء من “شواهدهم” على صحة “الممارسة“.

يجزم الباحثون بأن هذه الحالة كانت منتشرة في العالم كله، وعرفتها كل الحضارات الإنسانية القديمة والقريبة، تدل على ذلك كتاباتهم، وأدبياتهم، في اليونان، والصين، والهند وغيرها، فلم تسلم حضارة أو ثقافة إنسانية من “وجود ما” لفئات من الناس يمارسون هذا النوع من الشذوذـ، لكنهم كانوا أيضا شادين عدديا، وليس لهم ظهور.

تحكي الأساطير وكتب التاريخ وجود مجتمعات نسائية خالصة، اكتفت فيها النساء بالنساء، محاربات شرسات، تحكمهن امرأة، وسُمِّين بالأمازونات، وقيل إن موضعهن كان في “ليبيا” قديما، وكن إذا أردن الأولاد، يضاجعن رجال القبائل القريبة، فإذا حملت النساء، فإن ولدن بنات تركنهن، وإن ولدن ذكورا قتلوا.

2- السياسة والمجتمع والقانون

كان الشذوذ الجنسي من الممارسات الممنوعة “سياسيا“، لأنها نوع “الضعف“، وسبب من أسباب “الاضطراب المجتمعي“، والأصل في المجتمعات الأمن والسلم الاجتماعي، ولذلك كانت الممارسة “سرية” غير معلنة، يحس أصحابها بالحرج الاجتماعي، وقد كان للدول عبر التاريخ قوانين صارمة في الزجر عن ذلك والمنع من ظهوره، تبدأ من السجن وتنتهي بالقتل، ولا تزال الصرامة حاضرة في كثير من قوانين الدول إلى اليوم، ومنها “القتل” في “موريتانيا“، وهذه القوانين خاضعة اليوم للمراجعات، والتراجعات.

وقد أسقطت كثير من الدول “التجريم” عن هذه “الممارسة الشاذة“، ومن ذلك “الأم فرنسا“، وكان ذلك على لسان “البرلمان الفرنسي” عام 1982، فأصبح للشاذين جنسيا الحق في الممارسة، ووفر لهم “القانون” حماية صارمة، وأقر ما يسمى عندهم ميثاق “PACS”، بل صدر قانون بصحة “الزواج المدني الشاذ“، مع “جواز التبني” سنة 2013، فخرج القوم من مخابئهم، وتعرضوا لكاميرات القنوات التلفزية، واشتروا أقلاما للكتابة الصحفية، وانتشر خبرهم، وذاع صيتهم، وصار لهم اليوم مجلات، ومواقع اجتماعية، وقنوات إلكترونية، واليوم، 85 في المائة من الفرنسين لا يرون بأسا في “الشذوذ الجنسي“.

ومن الأمور المثيرة في ذلك، أن “رؤساء الشذوذ الجنسي” في العالم مثل “مونيك ويتيغ- Monique Wittig– وهي كاتبة وعضو في “جبهة الشذوذ الجنسي للعمل الثوري” – يرون منعهم من “حق الشذوذ” تسلطا سياسيا، فجعلوا “قضيتهم” سياسية، وركبوا على “القضية“، كما يفعل دائما أصحاب المقاصد “السياسية“، والأكثر عجبا، أن تستطيع بعض “الشاذات” خلط القضية بمعاداة الذكورية، فصار موقفها السياسي من السلطة بسبب “الشذوذ” و”الأنوثة” معا، وهذا يبين لك أن القضية الآن سياسية بامتياز.

3- الفن والنفس

كان علم النفس دائما يعتبر “الشذوذ الجنسي” نوعا من الأمراض العقلية التي تحتاج للمتابعة والعلاج، وكذلك كان تعريفه في المعاجم اللغوية العالمية مثل “أكسفورد” لسنة 1872، ثم استبدل بتعريف آخر أليق بالميل العام إلى رفع التجريم، وكان على هذا شبه إجماع “نفسي“، إلى أن خرقه “فرويد” كما كان المنتظر منه، وهو “سيد التحليل النفسي الجنسي“، فاعتبر الشذوذ حالة نفسية طبيعية، ينبغي رفع التجريم عنها، وكان فرويد في هذا متناسبا مع أصوله، ومع “وظيفته“.

اختار “الشاذون” الألوان “الستة” شعارا “لقضيتهم” و”شذوذهم“، وهم يصرون “على رفعه” في كل مكان، وقد استطاع “الشذوش الجنسي” أن يجد له محلا في “الفنون السبعة“، في السينما والمسرح واللوحات، والروايات والبرامج التلفزية وغيرها، بل وصل الأمر إلى “الرسوم المتحركة” أيضا، وكل هذا بغرض “تطبيع الناس” مع هذا “الشذوذ” بل “تطويعهم“، حتى يرفع عنه وصفه، فيصير بعد ذلك معتادا مقبولا.

4- الرياضة والاقتصاد

الذكي يعي جيدا أن “ظهور” “الشذوذ الجنسي” على “سطح المجتمعات” يعني “ظهور مستهلك” من نوع خاص، يحتاج إلى “سلع خاصة“، ألبسة، وأطعمة، وألعاب، و”إكسيسوارات“، ويعني أيضا تحسين أداء “المستخدمين” و”الموظفين” ذوي الميولات الجنسية، وبالتالي، سيكون هناك “فئة” عريضة متكاثرة، من المستهلكين الجدد، وتسعى بعض الأندية الكروية للزج بالقضية في ملاعبها، “لحاجة في نفس المدير“، وقضية “بوتريكة” ليست قضية عابرة، صغيرة، بل هي كشف عن تمدد للاستغلال الاقتصادي إلى “الملعب“، وإفساد “للمشهد“، ولذلك كان هناك “موالاة” واسعة له من طرف من فهموا المقاصد، وربما أيضا ممن لم يفهموا ذلك، سوى أنهم “ضد الشذوذ الجنسي“.

5- الفلسفة والعقيدة

كانت الشرائع واضحة في قضية “الشذوذ الجنسي“، المنع والتحريم، وقد ورد في كتاب الله ذكر قصة قوم اللوط، ووصفهم الله تعالى بإتيان الذكور شهوة من دون النساء، ولم يكن هذا الجرم الوحيد الذي وسم به قومه، بل وصفوا أيضا بفساد القيم والفاسد في الأرض، فقرن القرآن الكريم بين “الشذوذ الجنسي” و”الشذوذ القيمي” عامة، وكانت عقوبة الله لقومه بأن جعل عالي البلد سافلها، كما عكسوا هم الفطرة البشرية في العلاقات بين “الجنسين“.

واختلف فقهاء المسلمين في عقوبة “اللواط” بين القتل بالرمي من مكان عال، وبين التعزير بالضرب، ومن مصائب الناس، أن تتحول “الكنيسة” إلى “مناصر للشذوذ“، بل صارت الكنيسة تعقد زواج “المثليين” في الكنائس، وكان ذلك مشجعا لبعض “الشاذين” جنسيا من المحسوبين على الإسلام، على لباس “عمامة العلم” والدعوة إلى رفع التجريم في الشريعة الإسلامية، ولا تزال هناك محاولات لترسيب “القضية” في متعلقات “الأديان” من أدعية وصلوات، وكتب ومقررات وبرامج، ومن أهم ما ينبغي التنبيه عليه هنا، أن منع الشرائع من هذا الشذوذ، والدعوة إلى “معالجته” يقتضي المحافظة على “النسل“، واستمرار “عبادة الله تعالى في الأرض“، والتطبيع مع “الشذوذ“، إضافة إلى انتشار “العزوف عن الزواج“، والاكتفاء “بالزنا والعلاقات الجنسية خارج الزواج“، يعني مناقضة ذلك، ولذلك يشتد نقد “علماء الشريعة” لهذه الحالة، وللدعوات السارية في العالم، كما فعل الأزهر حين أعلن شيخه في صراحة ووضوح، المنع من التطبيع معه، وهنيئا للأزهر بهذا الموقف.

وأما الفلسفة، فقد كان هذا الموضوع من مواضيعهم، فبعضهم انتقده، وبعضهم أقره، بل إن بعض الفلاسفة عرف عنه “الشذوذ الجنسي“، ومن أراد مزيد اطلاع، فليراجع: “L’homosexualité de Platon à Foucault، ويكفي أن تعرف أن فيلسوف السياسة الفرنسي الأصلع، ميشيل فوكو كان “مثليا“، أو “شاذا جنسيا“، ونصوصه الفلسفية تملأ الكتب المدرسية في مقررات الفلسفة في المغرب، وقد ألف في ترجمته كتاب، وكان المؤلف أيضا “شاذا جنسيا“!

كل ما ذكرته، معالم وأمارات على ما هو أكبر وأعمق عند الدراسة والتحليل، والذي ينبغي أن يحرص القارئ على تذكره، أن شيوع هذه الحال في المجتمعات من أهم ما يوهنها في ثقافتها وقيمها ودينها، وهو من أعظم مقاصد “جهات نافذة“، يديرها “إبليس” عليه لعنة الله التامة من ربنا سبحانه، وكل ذلك سعي في مناقضة “الوحي والنبوة“، ومضادة مقاصد الشريعة الربانية، ورد الأمر إلى هذا الأصل يكشف عن حقيقته ومآلاته ومقاصده، و”المغرب مستهدف“.

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *