ما هي نظرية المؤامرة؟
ببساطة شديدة تتلخص في ثلاثة أركان هي: المتآمر، والمتآمر عليه، والمؤامرة. بالإضافة إلى الشكل الذي يشترط أن يكون سريا، ولو أن انكشافها يكون في بعض الأحيان صريحا، من خلال زلات اللسان، أو الإحساس بجنون العظمة، وامتلاك العالم، مع استغبائه.
فمن منا ينسى تصريحات بوش الصغير وبيرلسكوني الأرعن إبان غزو العراق حول الحرب الصليبية، التي لم تغب عن وجدان وفكر الساسة الغربيين، والتي كانت مجرياتها منذ ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر الميلاديين، إلى حدود الغزو الصليبي الفرنسي لمالي، لما نطق العبد بلسان سيده حينما “وعد” بالانتصار على “الإسلامية الدولية”!
فالمتآمر إذن هو: الغرب، والمتآمر عليه هو: الإسلام، والمؤامرة هي: تدميره بشكل سري؛ وتحت لافتات شتى.
ومن هذه اللافتات نشر “الهلع المرضي من الإسلام” في البلدان الغربية، ومن ثم نحو العالم، وذلك باتهامه “بالإرهاب” والتخلف وانتهاك حقوق الإنسان، بصفة عامة، وحقوق المرأة والأقليات غير المسلمة بصفة خاصة، مما يرسخ في أذهان ووجدان الرأي العام الغربي ثم العالمي، أن كل قومة إسلامية للنهوض من براثن التخلف والانحطاط، ولو كانت بشكل سلمي وديمقراطي هي محط شكوك وريبة.
فالغرب في غمرة حقده على أننا مسلمون، ينسى أو يتناسى إيمانه هو بالاختلاف، الذي يبدو أنه لا يعني عنده إلا الاختلاف داخل المنظومة الغربية، أو في أحسن الأحوال “الاختلاف الفلكلوري”، الذي يُرَفِّهُ به عن نفسه من ضغوط الحضارة المادية التي يئن تحت وطأتها، ويحسسه -بالتالي- بالنشوة من “العجائبية” التي يتميز بها الآخر، دون أن يعني ذلك -في المقابل- بالنسبة له شعوريا أولا شعوريا، أن اختلاف الآخر الحقيقي تهديد لوجوده[1] في قمة الهرم الاقتصادي العالمي.
إذ هو على يقين بأن هذا الاختلاف الحقيقي سيؤثر، على ما “تنعم” به الشعوب الغربية من أفكار لا تخرج عن النسق الذي حدده لهم الماسكون فعليا بزمام الأمور، ويعملون جاهدين على فرضه على العالم، مما يدل على أن مفهوم الاختلاف عندهم، ينبغي ألا يتمتع به الآخر، إلا في حدود عدم مسه بثوابتهم، وإلا فلا اختلاف ولا اعتراف بهوية الآخر وخصوصيته.
لأجل كل هذا، فإن الغرب جعل من مؤامراته ضد الإسلام شبكة عنكبوتية تمتد خيوطها في كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والتربوية وغيرها.
ومن خيوط المؤامرة السياسية هو تدخل الغرب في كل شاردة وواردة، وكل صغيرة وكبيرة تتعلق بالبلدان الإسلامية، خصوصا إذا أحس أن أعمدة ثقافته، في هذه البلدان، بدأت تقضم، أو أصبحت على وشك السقوط قبل الانهيار التام.
وهذا ما حدث بالفعل، دون تشفير، كما وقع في بدايات الثورة، لما أقال الرئيس مرسي المشير حسين طنطاوي، على الرغم من أن الغرب يبدي عداء ظاهريا لحكم العسكر، الذي يناقض النظام الديمقراطي، بيد أن الديمقراطية لا تعلو على مصالح الغرب في استغلال الشعوب، وشهوته المستدامة في إخضاعها إلى الأبد.
فبعد إقالة المشير خرجت علينا صحيفة سويسرية تدعى “لوتان”، في شخص مراسلها “دلفبن مينوي”، بمقال تساءل فيه بمكر، قائلا: هل هو انقلاب أم إجراء استبدادي؟ أي أنهما أمران أحلاهما مر، دون أن يستحيي من نفسه، وينسجم مع مبادئ ثقافته التي تعتبر أن الحكم العسكري هو المرارة نفسها.
فضلا عن ظهور جماعة من الملثمين يعيثون في أرض الكنانة حرقا وفسادا، وقد أطلقوا على أنفسهم الكتلة السوداء، “بلاك بلوك”، تأسيا بقدوتها السيئة الذكر “بلاك ووتر”.
ومن خيوط المؤامرة الثقافية ما أقدمت عليه نساء من منظمة “فيمن” الأوكرانية، إذ تظاهرن عاريات في أكتوبر 2012، ووقفن أمام التمثال الذي يجسد إلهة الحب، وقد تدلى منه شعار “اغتصبني، أنا فاسقة” داخل متحف اللوفر بفرنسا، بدعوى احتجاجهن على قضية امراة تونسية اتهمت بخدش الحياء العام، بعد مزاعم باغتصابها من جانب اثنين من رجال الشرطة اللذان ضبطاها وعشيقها في وضع فاضح.
فهذه الحادثة تجسد بشكل واضح المؤامرة الغربية على ثقافتنا وديننا، لأن الاحتجاج كان من أوكرانيات، من أجل تونسية! لصالح الزنا، وليس ضد الاغتصاب، وبطريقة عارية، وأمام إلهة الفسق، تحت شعار “اغتصبني، أنا فاسقة”!
ولقد انضمت إليهن في وقت لاحق المصرية علياء المهدي، “احتجاجا” على ارتداء الحجاب في الأولمبياد، كما تعرت أيضا ليلة التصويت على الدستور المصري، أمام السفارة المصرية في السويد، تحت شعار “لا للدستور الإسلامي”!
إلا أننا لم نرها ومنظمة “فيمن” ينتفضن لما انتهكت أعراض حرائر ليبيا وسوريا، بل لم نسمع لهن حسا حتى عندما اغتصب جندي من البحرية الأمريكية فتاة في جزيرة أوكيناوا اليابانية، ولما تتجاوز الرابع عشرة من العمر.
لماذا؟ لأن الهدف ليس الدفاع عن المرأة المظلومة، ولكن الهدف نشر ثقافة العري، لأنها تناقض الثقافة الإسلامية، المبنية على الحياء والستر.
إن طَبْع الغرب الاستعماري المؤامراتي يغلب تطبُّعه الديمقراطي الإنساني، مما يجعله لا يتحرك لسواد عيون الشعوب، وإنما من أجل مصالحه، بدليل الغزو الصليبي الفرنسي لمالي والذي تداعى له الغرب، وكل المرتبطين به، دون أن تعلوهم حمرة الخجل، تجاه ما يجري في سوريا من فظائع، لم تتطلب منهم إلا بضع كلمات تربت على تأوهات المكلومين، أو تزيد من جراحهم، عندما يساوي البوكيمون والإبراهيمي بين الجلاد والضحية، بانتقادهما للأطراف التي تزود النظام والثوار بالأسلحة! وفي المقابل، وصف البوكيمون الغزو الفرنسي لمالي بالشجاع، دون أن يكلف نفسه الحديث عن منع الصحفيين من تغطية الحدث، كما طالبت بذلك منظمة “مراسلون بلا حدود”، كما لم يكلف نفسه التحقيق حول ما تناقلته منظمات حقوقية من سلب ونهب واعتداء واغتصاب وقتل في صفوف المدنيين العرب والطوارق من طرف الجنود الماليين، ذوو البشرة السوداء!
أما الناطق الرسمي باسم قيادة أركان الجيش الفرنسي، العقيد “تيري بروكار” فاكتفى بالقول: بأن الجيش الفرنسي ليس لديه دليل يؤكد مثل هذه الممارسات.
وأتساءل على لسان محمود محمد شاكر في مقالته “نحن العرب” التي نشرت عام 1947: “إلى أين يسار بنا تحت لواء هذه الحضارة البربرية الحديثة؟!”
وجوابا على سؤاله يقول: “..نعم: إنها حضارة مجيدة عاتية، أحيت الإنسانية ورفعت شأنها، ولكنها على ذلك كله حضارة بربرية طاغية، قد امتلأت فسادا وجورا وحماقة وفجورا، حضارة بربرية رفعت الإنسانية من ناحية العقل، ولكنها قتلت ضميرها، ومزقت شرفها، وجعلتها تشعر بقوة غير شريفة، ولا صالحة، ولا أمينة في أداء حق الإنسانية عليها”.
وهذا يتضح جليا في الرقص بحبل المصلحة على جراح المكلومين في سوريا، دون التفات إلى آهاتهم أو أنينهم أو آلامهم، لأن المؤامرة تستدعي أن يهلك الجميع، أو أن ينشغل الناجون بلملمة الجراح، كي لا تمس شعرة من اللقيطة الصهيونية، أس المؤامرة الغربية في الزمن المعاصر، لأنها على مرمى حجر مِمَّن سيخبره الحجر.
وللمؤامرة الغربية بقية، وستستمر لإبقائهم في القمة، وتركنا في الأسفل.
وقد ذكر موقع “مفكرة الإسلام” أن حوارا -مؤامرة- أقيم بمعهد واشنطن مضمونه كيفية إفشال حكم مرسي، وحصار الحكم الإسلامي في الشرق الأوسط، وسبل الحد من سيطرة الإسلاميين على الربيع العربي، وذلك في 6 دجنبر 2012، وقد أدار الحوار مدير معهد واشنطن “روبرت ستالوف”، ومبعوث “السلام الأمريكي” للشرق الأوسط “دينيس روس”، و”إيلوت برامز” من مجلس العلاقات الخارجية، ونائب مساعد بوش الصغير إبان ولايته.
ولولا لطف الله، لنجحت مؤامرة خريطة الشرق الأوسط الجديد، والتي لازالت في الرفوف تتربص الفرصة المواتية، والتي كانت تستهدف العراق والسعودية وسوريا، وبعد الثورة ظهرت خريطة لتقسيم مصر إلى أربع دويلات!
فهل بعد هذا سنصدق الغرب في أن مساعيه حميدة، ونواياه حسنة، وليس لديه نظرية المؤامرة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- قال دافيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا: “إن متطرفين إسلاميين شمال إفريقيا يشكلون “خطرا وجوديا”، فلاحظ أيها القارئ الكريم قوله: “شمال إفريقيا”، وقوله: “خطرا وجوديا”، تتضح لك خيوط المؤامرة.