ذهب بعض الناس إلى تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام وقيام دون غيرها، وهذا لا أصل له، ومن قال بخلاف هذا: فمستنده أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومنها حديث: “يا علي مَن صلَّى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات، إلا قضى الله له كل حاجة”.
قال الإمام الشوكاني في الفوائد المجموعة: “هذا حديث موضوع” وكذا أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات.
وذكر ابن القيم رحمه الله في المنار المنيف هذا الحديث؛ وفيه: “يا علي مَن صلَّى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة بألف (قل هو الله أحد) قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة.. وأعطي سبعين ألف حوراء، لكل حوراء سبعون ألف غلام وسبعون ألف ولدان، إلى أن قال: ويشفع والده كل واحد منهما في سبعين ألفاً”؛ والعجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذا الهذيان ويُصَليها. وهذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربعمائة، ونشأت من بيت المقدس. فوضع لها عدة أحاديث منها:
“من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة (قل هو الله أحد) في مائة ركعة.. بعث الله إليه مائة ملك يبشرونه”.
وحديث: “مَن صلَّى ليلة النصف من شعبان اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة ثلاثين مرة (قل هو الله أحد) شُفِّع في عشرة من أهل بيته، قد استوجبوا النار”؛ وغير ذلك من الأحاديث التي لا يصح فيها شيء”. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وكذلك صلاة الست ركعات في ليلة النصف بنيَّة دفع البلاء، وطول العمر، والاستغناء عن الناس، وقـراءة يس، والدعاء بين ذلك لا شك أنه حدث في الديـن، ومخـالفة لسنة سيد المرسليـن عليه الصلاة والسلام.
وكذلك اجتماع بعض الناس بعد صلاة المغرب والعشاء ويقرءون سورة يس ثلاث مرات، وقال شارح الإحياء: “وهذه الصلاة مشهورة في كتب المتأخرين من السادة الصوفية، ولم أر لها ولا لدعائها مستنداً صحيحاً في السنة، وقد قال أصحابنا: “إنه يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد وغيرها”. (السنن والمبتدعات للشقيري ص:128).
قال ابن رجب في لطائف المعارف: “وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام: كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر… وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، وأنكر ذلك علماء الحجاز، ومنهم عطاء، وابن أبي مُليكة، ومالك…. وغيرهم. وقالوا: ذلك كله بدعة”. اهـ.
وعن زيد بن أسلم رحمه الله تعالى قال: ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان, ولا يلتفتون إلى حديث مكحول, ولا يرون لها فضلا على ما سواها. (انظر: البدع للطرطوشي /130 والبدع لابن وضاح/46).
قال الإمام النووي في المجموع (3/549): “الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب: وهي اثنتا عشرة ركعةٍ بين المغرب والعشاء، وليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يُغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنف ورقات في استحبابها فإنه غالط في ذلك”. اهـ
وقد ورد في فضلها حديث صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3/1144 وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان؛ فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن”. وهذا لا يبرر الأعمال المخالفة للسنة التي يقدم عليها بعض الناس.
قال ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف: “ويكره الاجتماع لها في المساجد للصلاة والدعاء، والقصص”.