فؤاد بوعلي*: العربية في المغرب تعاني من محاولات “اجتثات “حقيقية تستهدف الوجود الهوياتي للمغاربة حاوره: عبد الصمد إيشن

أنتم أحد أبرز الفاعلين في مجال الدفاع عن اللغة العربية، ما تقييمكم لواقع اللغة العربية بالمغرب؟

عندما نحاول تحليل وضعية اللغة العربية في الواقع المغربي، في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، وفي التواصل اليومي العادي ، فسنجد أنفسنا أمام ظاهرة أو قضية محاطة بسجف من التناقض: تناقض بين ما هو مسطَر في النصوص القانونية والخطابات الرسمية من مبادئ وأحكام تعلي من شأن العربية ، وبين ما نشهده في الواقع العملي من تهميش واحتقار لها على صعيد الممارسة و التطبيق.

فبالرغم من محاولات تجميل الواقع والنصوص المؤكدة على قيمة العربية ودستوريتها، فإنها تعيش العديد من الاختلالات يجعلها تعاني من التهميش، والحرمان من أداء أدوارها الطبيعية. وأهم هذه المؤشرات نجدها في الإعلام حيث نشهد منذ زمن طويل توجها فرنكوفونيا يعمل بجد على فرض الفرنسية في الإعلام المغربي ضدا على ميول الجمهور. فمن خلال البرمجة في القنوات التلفزيونية والإذاعية تبدو العربية كأنها الاستثناء في التواصل مع المتلقي المغربي. حيث يتم تنعدم أو تكاد البرامج الثقافية والأدبية بالعربية سواء بالقناة الأولى أو الثانية. في حين أن برامج النقاش الأدبي والفكري الأساسية والمهمة تبرمج بلغة موليير، بل حتى الدعم الحكومي الرسمي يوجه نحو الجرائد الفرنكفونية.

مؤشر آخر يتمثل في الدعوات التي غدت تطرحها بعض الجهات لتعويض العربية بالدارجة المغربية، حيث تصاعدت حملة دعاة توظيف العامية المغربية بكثافة في وسائل الإعلام والاتصال والترفيه والتدريس. ومظهر آخر ومؤشر على ما تعانيه العربية : التعليم خاصة بعد العودة إلى الفرنسة وفرض اللغة الأجنبية ضد الدستور والقوانين ذات الصلة وبشكل “عنفي” دون أخذ مصلحة التلاميذ ولا الوطن في الاعتبار…كل هذه المظاهر، إن اضفنا لها الواقع الاقتصادي المرتبط بالآلة الفرنكفونية وتحكم نخبتها في الشأن العام والهيمنة على القرار السياسي والثقافي سنصل إلى أن العربية في المغرب تعاني من محاولات “اجتثات “حقيقية تستهدف الوجود الهوياتي للمغاربة .

2- ما هي أسباب التراجعات الأخيرة في التدريس باللغة العربية؟ وهل يمكن لهذه الحكومة ان تستدرك وتعيد للعربية مكانتها في المدرسة العمومية؟

لعل أبرز مظاهر التهميش والإجحاف التي تحدثنا عنها نجدها في التعليم. فمنذ الاستقلال راهنت الحركة الوطنية في مسار تأسيس الدولة الوطنية على العربية باعتبارها مؤشرا على الاستقلال السياسي، لكن التحكم الفرنكفوني في مقدرات الدولة أجل الحسم في القضية اللغوية وزاد الأمر بلة حين تم التراجع عن نقطة الضوء الوحيدة التي شكلها التعريب من خلال العودة للفرنسة في الحكومة السابقة عبر ما سمي بالقانون الإطار الذي تم التراجع فيه عن مقتضيات الرؤية الاستراتيجية للتربية والتكوين.

فاعتماد اللغة العربية، لغة تدريس هو الأمر الذي يفرض نفسه والذي ينسجم مع منطوق الدستور، والمشاريع الإصلاحية المقترحة منذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين واختيارات المجتمع، ووفق الدراسات والأبحاث العلمية التي قدمها أهل المعرفة والخبرة الموثقة في مجال تدبير التعدد اللغوي والتخطيط وبناء السياسات اللغوية الناجعة وفق الخريطة اللغوية المغربية. واللغة العربية قادرة على القيام بوظائفها العليا، واتهامها بكونها ليست لغة علم هو مجرد تخرص وتنجيم لا يصمد أمام حقائق العلم والواقع، حيث نوقشت أطروحات بالعربية في الرياضيات والطب والإحصاء والاقتصاد وكتب مختصون مؤلفات عديدة في الفيزياء وغيرها.

لكن القانون أتى لضرب كل هذه المكتسبات. ونظرا لطبيعة الحكومة الحالية وظروف وصولها وطبيعة مكوناتها فلا نعتقد أنها يمكنها أن تغير في شيء ما أقدمت عليه سابقتها، لأن القضية ليست قضية أحزاب بل قضية نخبة سياسية فقدت بوصلة الانتماء للهوية.

3- ما هي برامج وخطوات الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية في المستقبل للدفاع عن العربية في التعليم والاعلام والحياة العامة؟

الائتلاف الوطني ليس مؤسسة سياسية أو حزبية تغير مسارها بتغير الحكومات بل هي منسقية مدنية تتغيأ النهوض باللغة العربية وتطوير الاهتمام بها، لذا فمشاريعنا العلمية والترافعية مستمرة في التنزيل ومقاومتنا كما كانت لكل محاولات المس بقيمة لغة الضاد ومكانتها في الوجدان الوطني. فمشروع الائتلاف هو تعبير عن حاجة أكاديمية ومجتمعية ترمي إلى النهوض بواقع العربية علما وتعليما وممارسة. ولا يقصد بالائتلاف الوقوف في وجه لغات أخرى أو لمحاربة استعمالات لغوية معينة، بل لإعادة الاعتبار للغة الضاد وإعادة النظر في مكانتها بين اللغات الاستعمالية، وبغية أجرأة النص الدستوري والقوانين التنظيمية الصادرة عن الدوائر الحكومية.

هو مسار طويل عبر الآليات العلمية والمدنية من خلال الفعاليات الإشعاعية والتعاون مع الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والجمعيات التي لها الأهداف نفسها على المستويين الوطني والدولي، وعبر رصد الاختلالات المتعددة في الواقع العملي واقتراح مشاريع وقوانين إجرائية.

ــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *