السياسة البربرية للحماية المغربية (1913-1930) وانبثاق الوطنية ذ.إدريس كرم

** نص البحث:

انهيار المشروع:

…أدان مدير المدرسة الاستعمارية جورج هاردي في L’europe nouvelle عدد فاتح نونبر1930 هذا “القلق” الشبابي، هذا “الصبيانية”.

“كلمات أطفال مزعجين، حرضت بعض بسطاء الناس من ذوي النفوس الضعيفة، دفعتهم للقيام بمظاهرة تافهة جدا”.

العدد الجديد من الأسبوعية Je suis نشرت في عددها الأول الصادر يوم 29 دجنبر دراسة مطولة، حول ما كان مخفيا “القلق العام توَلَّد من تنظيم المحاكم العرفية”.

صحيح أن المنظمين المختصين كانوا قلقين، مجلة L’Afrique Française من أجل أن يكون “الظهير البربر ذريعة {“B.C.A.F,aout1930”} فرصة تسجل امتيازا، “أعطى للمسألة حجما كبيرا، ووصم هؤلاء المتعاونون بوصمة العار من قبل الشبان المغاربة، “الذين اعترفوا سرا بأنهم ملحدون، لكنهم استغلوا سذاجة المغاربة” أحدهم فرنسي جزائري وقع على اسمه بمحمد، وهو يعتقد أن المتظاهرين يستحقون تسميتهم “جماعة الأوغاد” الـ”فارون من المدرسة الابتدائية” وفضلات الجهاز الهضمي.

لكن الخلاصة المطروحة أن هذه الحوادث، لم تنفلت منهم، بل كانت علامة على ظهور وطنية مغربية.

في Temps colonial كتب روبير بولين “بحث ميداني أكَّد مخاوفنا… هذا المغرب الذي عرف بدوره طفرة في الوطنية”.

جاء في تقرير رقم 3862 صادر عن لجنة الموازنة صيغ عام 1931 لخص فيه النائب باجانون وجهة نظر المقيم العام على النحو التالي “كانت التحركات مصطنعة خادعة.. لكنها أسفرت عن تشكيل حزب وطني مغربي، يعمل بالتنسيق مع نظرائه في البلدان الإسلامية الأخرى”.

لقد أوصى “المسنون المغاربة” بمنهج قويم، يذكر بالوقت الذي كان فيه مثيرو الشغب، يرمون للوحوش، أو تعلق رؤوسهم المقطوعة على الأسوار.

وقد كان جَلْد المحتجين بفاس، أحسن درس للتلاميذ، إضافة لحلّ جمعياتهم، ومراقبتهم عن كثب.

هـ) التنصل من السياسة البربرية:

أدرك المقيم العام أنه قد وقع تضليله، بعض كبار الموظفين الذين عارضوا إضفاء الشرعية على الجماعة القضائية، نظر لهم بعين الرضا، وكثير من المسؤولين عن السياسة البربرية، فقدوا مناصبهم، بما في ذلك الكومندار “مارتي” المسؤول عن العدالة البربرية، التي أعدها ولم تر النور قط. (انظر السياسة المدنية الإسلامية بالمغرب) لبول مارتي في:

La Revue de des études islamique,1931

(p.345-538) سياسيا تمَّ بذل جهد في اللقاء لوم تفجير القضية على رجال الدين، والأسقف “فييل” مجموعة اليسار، بعد صمت طويل استيقظت بالمناسبة في 1932، جمعية حقوق الإنسان تساءلت في 1932/6/15 “مِن مَتـى تواجدَ عارض الاسترداد الكهنوتي الخطير في هذا البلد؟”La Libre Pensee، الفروع المحلية لـ S,F,I,O وللحزب الراديكالي، والمحافل الماسونية تأثروا، يوم 11 يوليوز 1932 من إنشاء نيابة رسولية تستحضر “اضطراب ميلاد الفوضى الكاثوليكية” لكنهم لم يدينوا بحال من الأحوال الظهير البربري الذي “لا يمكن له إلا أن يؤيد سياسة الاختراق المهدئة”، وشككوا دون ريب في “حسن النية وعدم الاكتراث” بالمسألة، التي رأى فيها المغاربة هجوما على الأسلمة لديهم، الأسقف “فييل” نفى من جهته مشروع إقامة نيابة رسولية، مدعيا أن الحكومة تمنع ذلك.

فيما يتعلق بمخطط العدالة المغربية، كان علينا التراجع مع الحفاظ على ماء الوجه، في يونيو 1931 شرعت لجنة موسعة فرنكو-مغربية في التحضير لإصلاح شامل للقضاء الأهلي، ولكن في 1933/3/24 عبرت اللجنة الوزارية للشؤون الإسلامية عن رغبتها في “إعادة تنظيم القضاء البربري ليأخذ مكانه في إطار أكثر شمولية، ضمن القضاء الأهلي” وبالتالي لم يحدث شيء بعد، يؤدي بالرغم من مختلف المشاريع البارعة.

المقيم ربما لم يرغب في إلقاء مزيد من اللوم على نفسه، لكن الموقت لا يمكن له أن يستمر، لذلك لم يتم إنشاء محاكم استئناف عرفية، كما لم يكن هناك أي محكمة مختصة بالنظر في الجرائم الخطيرة، من أجل نفس الأسباب السياسية، لم يتم تحويل الجرائم المختلفة عموما للقضاء الفرنسي، وإذا ما وقع استثناء ما، فإن الإدانات تفتقر للظهور على الفور، عمليا كانت الجرائم تحاكم من قبل الجماعات القضائية.

الاعتراف بالخطأ:

في 1933/6/3 أعلن “لوسيان سان” المقيم العام قبل مغادرته الإقامة العامة بأنه “قد ترتكب أخطاء، لأن العصمة ليست من سمات هذا العالم، الحكومة في مستوى عال للقيام بمهمة إدارة الإصلاح، وهو قادم لا محالة”.

كان علينا أن ننتظر سنة أخرى، تحت إدارة المقيم الجديد “بونصو” الذي جاء بظهير 1934/3/8 لتسوية الوضع القانوني في بلاد البربر، ومن ثم الإبقاء على المحاكم العرفية من الدرجة الأولى، ومحكمة الاستئناف العرفية، التي اقتصر اختصاصها بالمسائل المدنية فقط.

ومع ذلك تم تأكيد صلاحياتهم القضائية والتوثيقية، الاختصاص القضائي المسند للمحكمة العليا الشريفة تم تمديده في المسائل الجنائية لبلاد العرف، القضاء الزجري كان وثيق الصلة بالجرائم الأقل خطورة، التي تعرض على الباشوات والقياد، لكن الإبلاغ عنها عهد به لقسم جديد، سمي بالقسم الجنائي العرفي، مكلفا بالاستئناف ضد الأحكام الصادر من قياد البربر في المسائل الجنائية، وبالدرجة الأولى في الجرائم الجسيمة المرتكبة في القبائل البربرية.

وقد نظم مرسومان وزيريان صادران في 8 أبريل و15 شتنبر 1934 الاختصاص القضائي والإجراء التنظيمي، لسير عمل المحاكم العرفية، البالغ عددها 90 محكمة ابتدائية و6 محاكم استئناف أحدثت بمساعدة مفوضين حكوميين، ومراقبين مدنيين أو مساعديهم.

لم تستطع هذه القرارات معالجة أوجه القصور في العدالة البربرية: بسبب من عدم الدقة في معرفة العادات المتبعة، وتنزيل القاعدة القانونية عليها. ساهم في ذلك طبيعة رجعية أغلب الأعراف، وعدم تحديث نظام العدالة الجنائية الشريفة، على الأقل من حيث المبادئ، مما جعل من توحيد العدالة الجنائية في جميع أنحاء منطقة الحماية الفرنسية عملا مرضيا بالنسبة للمخزن، وسمح بإنقاذ ما جاءت الحماية من أجل إقامته.

الثمرات الأولى للمقاومة:

رحبت الشبيبة المغربية بإلغاء الاختصاص القضائي للمحاكم الفرنسية، لكنهم طالبوا بإلغاء القضاء المدني البربري والتشريعات البربرية: هكذا تمَّت “الهدنة بهذا الثمن” في عشية الأحداث الخطيرة بفاس (8-10مايو 1934) وما تلاها من إجراءات انتقامية.

على الرغم من أن ظهير عام 1934 كان صفقة مشرفة، إلا أن مسألة الظهير البربري انتهت بفشل النظرة الفرنسية، فكان من الضروري وقف السياسة البربرية، وأدت لفقدانها التأييد المعنوي للمخزن مستقبلا، وجزء هاما من سكان المدن.

لقد سمحت هذه القضية للشبيبة المغربية بشكل خاص، التعبير عن قوتها وقدرتها على إلهام الجمهور وتعبئته خلفها، وتقديم قضية المغرب للعالم الإسلامي والعربي، فحتى سنة 1934 كان دفاع الشبيبة الوطنية المغربية ينتهي عند التحدث عن السياسة البربرية ومعارضتها لظهير 1930 إلا أن تلك المعارضة تطورت وتنوعت وتوسعت وأتاحت ميلادا حقيقيا لوطنية حديثة.

الخلاصة:

كانت السياسة البربرية تعتبر في حد ذاتها، مبررا نظريا للحرص على المحافظة على مؤسسات المجتمع المتخلف، والتي لم تكن بلا فائدة، كان هذا القلق يمكن أن يكون جديرا بالتقدير، كما أعلن لاحقا، لو كانت هناك إمكانية لتطور أصيل كالذي نريد حمايته، من حق شعب عتيق التطور بطريقة مختلفة عن جيرانه العرب ومعلميه الفرنسيين. مع أنه في الواقع لا يمكن للمرء أن يربط قناعاته بهذه التبريرات المتجاوزة، فقد اعترف البربروفيليون في كثير من الأحيان، بدوافعهم الخفية لتجزئة الإمبراطورية الشريفة، وفي كل الأحوال بإظهار إرادة الاحترام لمحافظة المجتمع، قصد تفكيكه، والعبث بنسيجه، وتدمير هويته. ومهما كانت النوايا، فقد ظل مشروع السياسة البربرية مع ذلك خياليا، يشكل تصورا فريدا على مستوى التاريخ. منذ ما يقرب من ألف عام شهد المغرب تراجعا في المؤسسات والثقافة البربرية بلا هوادة، أمام الحضارة العربية الإسلامية، فهل كانت فرنسا قادرة على عكس ذلك الاتجاه؟

المقاومة بالعربية:

في الوقع كان بقاء العالم البربري لفترة طويلة معزولا في كانتونات جبلية، وكان من غير الممكن بقاؤها كذلك إذا تفتحت على العالم الخارجي وسمح للأفكار الجديدة باختراقها.

كانت اللغة العربية بصفتها لغة التجارة والمعاملات

ستنتصر حتما، كما علِمنا من تجربة الجزائر وغرب إفريقيا، ومن هنا بالتحديد برزت الحواجز الإدارية التي أردنا تعزيزها، بين جبال البربر والسهل المعرب، ومن هنا أيضا تم التخطيط لهذه السياسة المدرسية التي كانت تهدف، كسب البربر من خلال تزويدهم بلغة أخرى للاستخدام، بذل التي عندهم، لكن هل كانت أدوات الدفاع هذه النظرية فعالة في السياق التاريخي؟

لم يكن بوسع المرء في القرن العشرين، أن يقفل ويعزل منطقة ما بالمغرب، بينما يغير بقيته، ويصر المتخصصون الحقيقيون، أنه كان من الممكن جعل الشعب البربري فرنسيا لو تم إلغاء الوسيط العربي

وقد أكد “دوته” عام 1918على أن (الحضارة البربرية في وضعها الحالي تتطلع إلى التعريب) وأن أهميتها وموقعها الجغرافي منيعان.

وبعيدا عن هذه المستحيلات يمكن للمرء أن يلاحظ مدى ضآلة أخذ مواقف القبائل البربرية بعين الاعتبار، ومع ذلك فإن التهدئة تركت ذكريات مريرة في نفوس تلك القبائل، حيث ظل معظمها يربي مكوناتها البشرية ضد غزاتهم، بسبب القلق الذي كان يساورهم بشأن مستقبلهم وهم يتساءلون، “ماذا يريد الرومي منا أن نفعل؟”.

Charles Robert Ageron

أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتور فرنسا

نشر في مجلة Revue d’histoire moderne et contemporaine 1971.pp.50-90″.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *