في كتابه “الفطرية: بعثة التجديد المقبلة”، يؤكد فريد الأنصار رحمه الله على أهمية الأسرة، ويذكر مقصدين أساسيين من مقاصدها، هما: حفظ الدين (الدعوة)، وحفظ الرحم. وهذا ما جعل الأنصاري يفرد موضوع المرأة بكتاب مستقل، هو كتاب “سيماء المرأة في الإسلام: بين النفس والصورة”، يتحدث فيه عن ثلاث جماليات للمرأة، هي “جمالية الأنوثة” و”جمالية الحياء والتخفي”، و”جمالية الأمومة”.
إنها ثلاث جماليات تضربها “ما بعد الحداثة” في مقتل، تجعل الأنثى كالذكر، والعورة سترا، والأمومة سجنا. ماذا بعد؟ العودة إلى ما قبل مرحلة الأسرة، رجوع البشرية إلى الخلف في التاريخ، ليس بخطوة أو خطوتين بل بخطوات.
إنه نظام اجتماعي متقدم في التاريخ، أخذ يتعفن وينتج أصوله القديمة: الغابوية والحيوانية والغريزية. أوتي هذا النظام وسائلَ سيطرته ونفوذه، حتى كاد يحوّل العالم إلى صورة واحدة، يستوي فيها الشرق والغرب، وتصبح فيها الثقافات أقنعة عديدة لنمط واحد من العيش: الاستهلاك الفاحش.
الأديان نفسها، لم تسلم من إرادات تحريفها. تحريف خضعت له اليهودية (الصهيونية وما قبلها)، والمسيحية أيضا (الكاثوليكية/ الإقطاع والبروتستانتية/ الرأسمالية). وبقي الإسلام عصيا على التحريف في نصه، إذ هذا محفوظ بقول الله تعالى “وإنا له لحافظون”. إلا أن التحريف نال من المسلمين، ولو لم ينل من دينهم. الهيئات إسلامية، والأخلاق استهلاكية. القول مثالي، والعيش مادي. حب الآخرة على اللسان، والهوس بالدنيا في القلوب.
كل هذا يهدد الأسرة، ليس في بلاد المسلمين وحدها، بل في العالم بأسره. ولما حُرِّفت اليهودية ومعها المسيحية، بقي الإسلام. فإذا ضل أهله، بقي النص. النص وما يقوله في الأسرة باقٍ، ليس في ذاته فحسب، بل في سلوك غالبية المسلمين، مهما أخذتهم المفاسد والانحرافات هنا وهناك.
هل يعرف العالم ما معنى أن تكون الأسرة مهددة؟ معنى ذلك أنّ النظام مهدد، الحضارة التي تسامى الإنسان ليبنيها مهددة، مصالح مالكي الرأسمال العالمي أنفسهم مهددة، الدولة كمؤسسة كونتها الأسر (وحدات إنتاجية) هي أيضا مهددة… الخ. كله مهدَّد والعالم في غفلة، بما في ذلك أولئك الذين يستفيدون من وجود الأسرة، كوحدة لتوفير اليد العاملة واستهلاك السلع.
إنه رأسمال فقد عقله، فأصبح على النقيض من مصالحه الأساسية، أي أن يستمر لا أن يربح فقط. المشكل موضوعي يدخل في بنية الرأسمال، تناقض خاص به، الربح غايته وسبب نهايته في نفس الوقت. وما يهمنا، في هذا المقال، أن الربح أصبح فوق أسبابه، فأخذت أسبابه تتآكل (ومنها الأسرة)، بتآكلها يتآكل، تنهار منظومته شيئا فشيئا فلا يعي ذلك. قلنا: إنه رأسمال فقد عقله.
ما الذي سيقدمه الإسلام لهذا الفساد المنتشر؟ منظومته القيمية خزان للحلول، لضبط الفرد وتنظيم المجتمع (الأسرة). فقط وجب الرجوع إلى النص بوعي سديد، فالقرآن صالح لكل مكان وزمن، إذن وجب إظهار هذه الحقيقة، يجتمع على إظهارها الفقهاء ومَن يحقق مناطهم من أصحاب الاختصاصات العلمية المطلوبة، والتي لا غنى عنها.