يعيش المواطن المغربي في وضعية استثنائية، غير مسبوقة، سمتها الزيادة ثم الزيادة، وبين الزيادة والزيادة توجد زيادة، الأمر الذي أثقل كاهله، وأفرغ قفته، فالأسعار اشتعلت، والرواتب راسية في مكانها لم تتأثر بأمواج الزيادات العاتية.
فهل لاشتعال الأسعار داخليا علاقة بالعوامل الخارجية؟ أم أن هناك عوامل أخرى كرست سوء الوضعية وأرهقت المواطن البسيط؟
أولا: إن الأزمة التي اشتدت على المواطن المغربي ليست طارئة، ولا حديثة الظهور، إنها كرة الثلج التي صار حجمها مفزعا هذه الأيام، فالزيادات في الأسعار بدأت منذ أزمة جائحة كورونا، وتسارعت وثيرتها بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
كما أن التضخم بلغ معدله في المغرب 9.8 في المائة خلال شهر يناير 2023، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 16,8 في المائة وأسعار النقل بـ9,6%.
في حين أن معدل التضخم قد بلغ خلال العام الماضي بأكمله 6.6 في المائة، وأكدت المندوبية السامية للتخطيط أن هذا الارتفاع هو الأكبر منذ أكثر من ثلاثين سنة، إذ كان المغرب سجل معدل تضخم بـ8.2 في المائة عام 1991.
ثانيا: فأزمة الغلاء التي يعيشها المواطن المغربي ضربت قوته اليومي وهددت قفته ومعاشه البسيط، حيث ارتفعت أسعار الخضر والفواكه واللحوم والدواجن إلى أرقام قياسية، وهنا نتساءل عن أهداف المخطط الأخضر الذي كان يشرف عليه رئيس الحكومة الحالي السيد عزيز أخنوش، بشكل شخصي حين كان يشغل مهمة وزير الفلاحة والصيد البحري في الحكومات السابقة.
فأخنوش رجل أعمال وصفقات، قبل أن يكون رجل سياسة وانتخابات، وتظهر نزعته التجارية عندما يستدل بنجاح مخططه بالأرقام، هذا المخطط الذي أسهم حسب منفذه في رفع الناتج الداخلي الخام 13 مليار درهم في ظرف عشر سنوات، كما جعل المغرب يصبح من أكبر المصدرين للمنتجات الفلاحية الغذائية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ومن أكبرهم تصديرا لهذه المنتجات كذلك في القارة السمراء.
وهذا أمر جميل ولا يمكن أن ننكر نجاح أخنوش “رجل الأعمال” في مخطط المغرب الأخضر حيث رفع الإنتاج الفلاحي الخاص بمجموعة من المواد، لكن أية مواد؟؟ إنها المواد الموجهة نحو الخارج، المواد التي تأثث موائد الزبائن من الأوروبيين والأمريكيين والأفارقة، على حساب المواطن المغربي الذي عصفت به الأزمات المتتالية، والذي أصبح يقتني الخضر بأثمنة تفوق سعر بيعها في الدول الأوربية.
المفارقة الغريبة هي أن أسواقنا المحلية تشهد ارتفاعا في أسعار الخضر والفواكه واللحوم والدواجن بشكل غير مسبوق، بينما نلاحظ وفرة من المنتوجات المغربية المصدرة إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية والخليجية والروسية.
فالوضع الحالي ليس وليد اللحظة ولا هو بسبب الأزمات العالمية، فالداء قديم، والمستجد أن الأزمة العالمية عرت هشاشة السوق الوطنية، وكشفت بالواضح فشل مخطط صرفت عليه الملايير من الدراهم، لخدمة فئة قليلة، من أصحاب “الشكارات”، على حساب المغاربة.
وفي هذا الصدد يتساءل المواطنون: لماذا نشهد ارتفاعا في ثمن المحروقات، وزيوت المائدة، والقمح داخليا، مقابل انخفاضه في الأسواق العالمية.
فالحكومة تسببت في غلاء المنتوجات الزراعية طمعا في العائدات الضريبة، دون أن تضع تصورا يحقق الأمن الغذائي ويحفظ السلم الاجتماعي، والتوازن بين حاجة السوق الداخلي والخارجي.