عيد الأضحى فأين تضحياتكم؟؟ د.أحمد اللويزة

ما أن تلوح تباشير قدوم عيد الأضحى حتى يدخل الناس في سجال مستمر لا يتوقف، حديث عن الأضاحي وأثمنتها وغلائها ووفرتها وجودتها…، وبعضهم يذهب بعيدا فيطالب بإلغائها بدعوى غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية للناس، ومهما يكن من ظروف مادية عند حلول وقت هذه الشعيرة الإسلامية إلا أن الناس لا يدخرون جهدا ولا يتركون سبيلا إلا سلكوه من أجل توفير أضحية العيد، إلا أن الذي يطبع هذا الحرص لدى الناس عند شراء خروف العيد والاستماتة في توفير ثمنه هو طغيان العادة والتقاليد، هذه التي صارت تؤطر هذه الشعيرة، و خرجت بها عن قصد التعبد بما ألحقه الناس بها من عوائد كبلتهم بشكل لم يستطيعوا التخلي عنها أو تجاوزها أو تجاوز بعضها بحكم سيطرة العادات والتقاليد الاجتماعية على سلوك الناس، والغريب في  الأمر أن الناس صاروا خاضعين لسلطان العوائد والتقاليد أكثر من خضوعهم لسلطان الشرع وأحكامه.

وعلى هذا الأساس تحولت كثير من العبادات التي شرعها الله عز وجل لغايات ومقاصد إلى مجرد عادات يتنافس الناس حولها تباهيا وظهورا وتفاخرا، فإن أغلب الناس لا يهمهم في أضحية العيد إلا نظر الناس، وكلام الجيران، ورد فعل الأبناء. وقليلا ما تجد بعضهم يحرص على الأحكام الشرعية المتعلقة بالأضحية ومقاصدها، ولم يبق من أحكام هذه العبادة إلا ما يتعلق بالشروط التي ينبغي توفرها في الأضحية، والتي يسال عنها بعض الناس، وكثير منهم لا يبالي بشيء من ذلك، وخاصه فيما يتعلق بالسن المعتبر شرعا في الأضحية التي يجوز فيها الاشتراك كالبقر، فلا يبالي الناس بشرط السنتين، المهم أن يقال إنهم ضحوا ببقرة.

إن مقاصد الأضحية أمر قل أن يخطر ببال المضحين إلا من رحم الله وقليل ما هم، وذلك هو الأهم والمغزى ومربط الفرس في تشريع عباده النحر والأضحية، فيظن كثير من الناس أن  الأمر لا يخرج عن ذبح أضحية يتفننون في أشكال طبخها وطهيها، وما يلحق ذلك من احتفالات وطقوس بعضها غارق في التناقض الصريح الصارخ مع مقاصد الأضحية الإيمانية التوحيدية، ولذلك صارت هذه العبادة تشكل عبئا على الناس، وهي لا تشكل عبئا باعتبارها عباده بقدر ما تشكل ذلك باعتبارها عادة وتقليدا، وما أشد سطوة العادات على الناس!، كما تمت الإشارة إليه من قبل، وذلك أن الناس اليوم كثير منهم يحرص على الانخراط في الاحتفال بعيد الأضحى رغم كونه مفرط في أغلب شعائر الإسلام، والتي يترك كثيرا منها بدعوى أنه غير قادر عليها، أو أن فيها مشقة وحرجا، لكنه يحرص على شراء الأضحية ولو من اقتراض، أو ببيع أثاث المنزل، أو بسعاية وربما بالسرقة… فهو لا يستطيع أن يستوعب عدم شرائه للأضحية لعجزه عنها، فذلك بالنسبة له أمر لا يتحمل، بينما تجده مفرط في عبادات لا تتطلب منه وقتا ولا جهدا ولا مالا قليلا أو كثيرا، كالصلاة مثلا رغم أنها من أعظم العبادات في الإسلام، دع عنك غيرها من العبادات.

وإن مما ينبغي التركيز عليه في هذه المقالة ما يتعلق بدلالة الأضحى في هذه العبادة، فهي متعلقة بمعنى التضحية، والتضحية هنا بالمال لشراء أضحية وذبحها تقربا إلى الله عز وجل، لكن لابد من لفت النظر إلى ما هو مطلوب أصلا من هذا العمل ومقصده، والذي يظهر جليا عند التأمل في أصل الحكاية، وأصل الحكاية المقصود بها عيد الأضحى يرجع إلى قصة إبراهيم الخليل مع ابنه الذبيح اسماعيل عليهما السلام، هنا لابد من وقفة صادقة من كل مضح قبل أن يقدم على هذا العمل؛ عمل الأضحية أن يستوعب ماذا يراد منه بهذا التعبد بهذه الشعيرة، فالذي نعلمه جميعا أن عيد الأضحى مرتبط بحدث رؤيا ابراهيم عليه السلام ذبح ولده في المنام، وإنه عليه السلام أقدم على تنفيذ أمر الله عز وجل، هذا  الأمر الذي لا تتحمله القلوب عامة فكيف بقلب أب مع ابنه رزقه الله إياه على كبر، وكان قد أمره أن يفارقه رضيعا، ثم لما كبر واشتد عوده واشتدت حاجه أبيه إليه وتعلق قلبه به حبا وحاجة جاء الأمر بذبحه، فمن هذا القلب الذي سيتحمل هذا  الأمر الإلهي الذي لابد من تنفيذه، وذاك ما فعله إبراهيم عليه السلام تنفيذا لوحي الله، وتقبله ابنه خضوعا واستسلاما لأمر ربه، وهنا لابد من تأمل الحكمة الإلهية في هذا  الأمر والتي ينبغي أن يستوعبها كل مسلم يريد الله والدار الآخرة، ويريد أن يلقى الله عز وجل وهو عنه راض، أنه لابد من التضحية بكل شيء سكن قلبه وتعلق به ووجد نفسه خاضعا لرغباته في سبيل الله عز وجل، فكم من الآباء اليوم يعصون الله ويخالفون أمره من أجل رغبات الأبناء والأزواج وربما الأصحاب، ولا يبالون بمعصيه الله ومخالفته، يرضون المخلوق ولا يبالون بإرضاء الخالق، فأي أضحية هذه إذا لم يضح المسلم بأهوائه وشهواته وملذاته ونفسه وماله في سبيل لله عز وجل، فالله يريد من إبراهيم عليه السلام ان يخلي قلبه لله، وأن لا يشاركه أحد في حبه، وهنا عين القصد في  الأمر بالأضحية.

إن المسلم لا يسمو في إيمانه ولا يرقى سيره إلى الله إلا إذا أخلى قلبه من كل شيء إلا من الله، ولا يظهر ذلك ولا يصدق إلا بامتثال أوامر الله عز وجل وتنفيذها مهما كانت شاقه على النفس، فإن ذلك عهد بين المسلم وبين ربه؛ عهد الطاعة والامتثال في العسر واليسر والمنشط المكره. فلا يكون مؤمنا إلا إذا رضي بشرع الله واستسلم لأمره كله لا بعضه، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) النساء، هذا الذي يحتاجه المسلمون اليوم، وهذا الذي ينبغي أن يعلموه وهم يتسابقون إلى شراء الأضاحي، فإنها ليست لحما يؤكل وإنما تربية على التضحية بالغالي والنفيس من أجل رضا الله عز وجل، وهذا المعنى هو الذي يغيب عن أكثر الناس للأسف، فتسمع من بعضهم يقول ما الحاجة لذبح الأضحية ونحن نأكل اللحم طوال السنة، وبعضهم يقول أنا مريض بالسكري أو (الكوليسترول) ممنوع علي أكل اللحم فلا حاجه للأضحية إذا، وبعضهم يقول أنا وزوجتي وابن واحد تكفينا أضحية صغيرة وهو قادر على شراء أضحية كبيرة، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأيُّ الرِّقابِ أفضَلُ ؟ قال: أنفَسُها عندَ أهلِها وأغلاها ثمنًا).

ولذلك وجب أن يصل هذا التنبيه ويبلغ هذا البيان حتى ترجع الأمور إلى نصابها في شعيره عيد الأضحى ممارسة وقصدا، وهو ما ينطبق على جل العبادات التي تحولت عند كثير من الناس مجرد عادات فارغة بلا روح ولا معنى، فإن العبادة لا بد لها من أثر روحي وسلوكي واجتماعي وتربوي، فإذا لم يظهر هذا الأثر فلا معنى لتلك العبادة، وإن ظهور الأثر لمن علامات القبول، وبه وجب الإعلام وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *