إجلال العلماء.. من إجلال الله

 

من الواجب على جميع المسلمين توقير العلماء، واحترامهم، وإكرامهم، ومعرفة قدرهم وحقوقهم، وإنزالهم منازلهم، والتأدب معهم في جميع شؤونهم، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

إن توقير العلماء من إجلال الله تعالى وتعظيمِ شريعته، وامتثالِ أمره، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَلَا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ) (رواه أبو داود، وحسَّنه الألباني). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم) (رواه أبو داود والبزار).

ولهذا كان من أصول أهل السنة ومنهج السلف احترام العلماء وتوقير الفقهاء، والتأدب معهم غاية الأدب، فإن الجناية عليهم خرق في الدين، قال الإمام الطحاوي: “وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل”.

ولا يزال أهل العلم -قديماً وحديثا- يؤكدون على التأدب مع العلماء والسمع لهم؛ أخرج عبدالرزاق في مصنفه عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه طاووس، قال: “من السنة أن يوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد”.

وعن الشعبي قال: صلّى زيد بن ثابت على جنازة، ثم قربت له بغلة ليركبها، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه، فقال له زيد: خل عنك يا ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم. فقال ابن عباس: هكذا يفعل بالعلماء والكبراء.

وفي رواية عنه قال: أمسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت فقال: أتمسك لي وأنت ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء.

وقال خلف: جاءني أحمد بن حنبل يسمع حديث أبي عوانة؛ فاجتهدت أن أرفعه فأبى، وقال: لا أجلس إلا بين يديك، أُمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه.

وعن عبيد الله بن عمر قال: كان يحيى بن سعيد يحدثنا فيَسِحُّ علينا مثل اللؤلؤ، وإذا طلع ربيعة قطع حديثه إجلالاً لربيعة وإعظاماً. (تهذيب الكمال:31/ 353).

ويقول أبو زرعة الرازي: “كنت عند أحمد بن حنبل، فذُكِر إبراهيم بن طهمان، وكان متكئاً من علة، فجلس، وقال: لا ينبغي أن يُذكر الصالحون فيُتكأ”(السير:7/381).

وهذا باب يطول ذكره، وقد كان تعظيم العلماء فاشيا في القديم، وقد قل هذا الأدب في زماننا، وحل محله الطعن في الأكابر، والحط من أقدار الدعاة والعلماء.. وهي والله بلية من البلايا، فإياك أن تكون من أهلها فإن الوقوع فيهم من أكبر الذنوب وفاعله لا يفلح أبدًا إلا أن يتوب.

قال ابن المبارك: من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته.

قال ابن الأذرعي: الوقيعة في أهل العلم ـ لا سيما أكابرهم ـ من كبائر الذنوب.

وقال الحسن بن ذكوان لرجلٍ تكلم عنده على أحد العلماء: مه.. لا تذكر العلماء بشيء فيميت الله قلبك.

وما أجمل قول ابن عساكر بعد هذه الأقوال الجميلة: “واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب.{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(النور:63).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *