“نابليون” والنهضة الإسلامية أحمد السالمي

دخلت دار الإسلام في سِنَةٍ لذيذة أورثتها نشوة النصر المؤزر بعد فتح القسطنطينية وتملك المسلمين زهوٌ كبير خلال قرنين من الزمن حتى أصبح يسمع نقيض أركان دار الخلافة وهي تتقوض فهب من جوف الغفوة الغامرة أشتات من رجال أيقظتهم هدَّةُ هذا التقوض فانبعثوا يحاولون إيقاظ الجماهير المستغرقة في غفوتها، رجال عظام أحسوا بالخطر المبهم المحدق بأمتهم، كانوا رجالا أيقاضا أحسوا الخطر فراموا إصلاح الخلل الواقع في حياة دار الإسلام، خلل اللغة وخلل العقيدة وخلل علوم الدين وخلل علوم الحضارة، وبأناة وصبر عمَّلوا وألَّفوا وعلموا تلاميذهم وبهمة وجدٍّ أرادوا أن يدخلوا الأمة في عصر النهضة نهضة دار الإسلام من الوَسَن والنَّوم والجهالة والغفلة عن إرث أسلافهم العظام، من هؤلاء الخمسة الكبار:

– البغدادي في مصر (1030-1093هـ/1620-1683م).
– الجبرتي الكبير في مصر كذلك (1110-1188هـ/1698-1774م).
– محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العرب (1115-1206هـ/1703-1792م).
– المرتضى الزبيدي في مصر (1145-1205هـ/1732-1790م).
– الشوكاني في اليمن (1173-1250هـ/760-1834م).
وإذا أنعمنا النظر في هذه التواريخ، علمنا أن عصر النهضة عندنا واقع بين منتصف القرن الحادي عشر إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري، ويقابله منتصف القرن السابع عشر الميلادي إلى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي.
الأمر الذي جعل المستشرقين يدقُّون ناقوس الخطر من هذه النهضة الإسلامية على أوربا ونهضتها، فاستجاب “نابليون” لذلك ونزل في نهاية القرن الثامن عشر مصر بنسائه العاريات، ومدافعه وبنادقه ومنقّبيه عن الآثار لإعادة مصر إلى فرعونيتها البائدة، ووأد “اليقظة” التي كان الخمسة الكبار أبطالها وصناديدها ثم ارتحل وارتحلت معه النفوس الضعيفة تروم التقليد. (انظر رسالة في الطريق إلى ثقافتنا للأستاذ محمود شاكر).
عاد إلى باريس وقد لحقت به العمائم، ثم رجعت مفرغة من كل ماله صلة بالثقافة الإسلامية والهوية التاريخية والإرث الذي تراكم على مرِّ القرون، وهذه هي طليعة المستغربين في العالم الإسلامي، ثم تبعهم ركب المنهزمين في جميع البقاع والبلدان، وقد قال عالم الاجتماع ابن خلدون قديما تحت عنوان (في أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده): “والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه: إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه؛ أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك.. حصل لها اعتقاد فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به، وذلك هو الاقتداء”. وضرب مثلا بالأندلس في عهد التضعضع مع أمم الجلالقة.
عادوا وشعارهم محاربة الرجعية والقضاء عليها، فـ”التغريب تيار مشبوه يهدف إلى نقض عرى الإسلام والتحلل من التزاماته وقيمه واستقلاليته، والدعوة إلى التبعية للغرب في كل توجهاته وممارساته”، من فلسفات باطلة كالبراجماتية والتعبيرية والنفعية والداروينية والوجودية والوضعية.. وسلوكات منحرفة كالزنا واللواط والربا والسفور والتميع والتشكيك في الخالق والطعن في الدين..
والرجعية المقصودة عندهم والتي يحلمون بالقضاء عليها هي القضاء على كل عالم مصلح يبث في الناس ثقافة القرون المظلمة؟!! وكل الشيوخ المتسلطين!! الدوغمائيين!! ..الذين لا يأمرون الناس إلا بطاعة خالقهم والرجوع إليه رجوعا جميلا؟!!
وهذه هي الفاشية العلمانية التي تدافع عن أمثال وفاء سلطان التي سبت الإسلام ونبي الإسلام والمسلمين بكل قبيح، ونوال السعداوي كما هو في العدد 3327 من جريدة الأحداث 18 مارس 2008، وفرج فودة، وغيرهم… وتحاول إسكات الأصوات المدافعة عن الدين وثوابته كما فعل مسود مقال “الخطاب التكفيري يتسلل إلى خطبة الجمعة” العدد 3324 من الأحداث 15 مارس 2008.
ويعزز هذا التيار الفاشي العلماني أطروحته بنعت الإسلام بأنه أرثوذوكسي، وعليه لابد من إجراء إصلاحات على الدين كما كان الحال بالنسبة للكنيسة في أوربا هذا من جهة، ومن جهة أخرى يركزون على التجربة الأوربية في نبذ الكنيسة كما في العدد 3323 من الأحداث، وهنا يتجلى انغلاق عقول العَلمانيين داخل دائرة أطروحات وقضايا تبلورت في وضع وحقبة معيّنين خاصة بشعوب تختلف اختلافا جذريا مع الشعوب الإسلامية، وهذا ما يطلق عليه البعض: “السيكوليستيكية”.
وفي الختام ننبه أنه من واجب العلماء كشف مخططات هذا التيار الفاشي “العلماني” والوقوف بصلابة أمام سمومه ومفترياته، التي تبثها الآن منابره المسموعة والمقروءة والمرئية وثيقة الصلة بالصهيونية العالمية والماسونية الدولية. وقد استطاع هذا التيار استقطاب الكثير، فمسخوا هويتهم، وحاولوا قطع صلتهم بدينهم، والذهاب بولائهم وانتمائهم لأمتهم الإسلامية، من خلال موالاة الغرب والزهو بكل ما هو غربي تحت مسمى “النهضة” و”الحداثة” و”التجديد” و”الأصالة والمعاصرة” والثقافة العالمية”، وهي أمور ذات خطر عظيم على بيضة الإسلام.
والقول كما “قال أبو عبادة البحتري:
ومن العجائب أعين مفتوحة *** وعقولهن تجول في الأحلام
أحلام “النهضة” و”التجديد” و”الأصالة والمعاصرة” و”الثقافة العالمية” وأحلام أخرى لا تنقضي!! أحلام جعلت صدمة التدهور مستمرة متمادية متفاقمة إلى هذه الساعة…ولله الأمر من قبل ومن بعد”.. (انظر رسالة في الطريق إلى ثقافتنا).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *