بين أحسن تقويم وأسفل سافلين عبد القادر دغوتي

صلاة الملائكة على المؤمنين ودعاؤهم واستغفارهم لهم:
قال تعالى: “هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما” [الأحزاب43]. وقال: “الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، إنك أنت العزيز الحكيم، وقهم السيئات، ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته، وذلك هو الفوز العظيم” [غافر7ـ9].
فتبين أن من تكريم الله تعالى للإنسان أن سخر له الملائكة المقربون المكرمون يُنجزون له من المهام ما يسعد به في الدنيا والآخرة.. فأي تكريم هذا الذي حظي به الإنسان؟

خلقه الله لنفسه:
من مظاهر التكريم أيضا: أن الله خلق الإنسان لنفسه، ليوحده ويعبده، وهذا تكليف يشرف به إذا قام به كما أراد الله عز وجل. فيجب على الإنسان إذن أن يتذكر هذا التكريم الرباني وأن يقدره حق قدره وأن يحرص على حفظ هذه المكانة السامية والمنزلة العالية التي رفعه الله إليها..

انتكاس الإنسان وانحداره إلى أسفل سافلين:
لكن للأسف، فإن كثيرا من الناس فرطوا في هذا الفضل وقصروا في الحفاظ
على هذا التتويج، وأبوا إلا أن ينحطوا بأنفسهم إلى أسفل سافلين، وأن ينزلوا بأنفسهم إلى درك سحيق أحط من حضيض الحيوان والبهيمية، وذلك ببعدهم عن الله تعالى وعدم طاعته فيما أمر ونهى، ومعصيته واتباع الأهواء والشهوات، والحيدة عن طريقه المستقيم الذي أرسل رسله للدلالة عليه والهداية إليه…
قال الله تعالى: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين” [التين3ـ4]. لذلك نجد الله عز وجل يشبه بعضهم بالكلاب وبعضهم بالحمير وبعضهم بالبهائم…
فقد خلق الله الإنسان إنسانا وكرمه وفضله ورفع من شأنه وأعلى مكانته، إلا أن كثيرا منهم لم يقدروا هذا الفضل، فانحطوا إلى درك الحيوان البهيم، وصار بعضهم أمثال الكلاب وبعضهم أمثال الحمير وبعضهم أمثال البهائم والأنعام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ـ قال جل وعلا: “واتلُ عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطانُ فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. ذلك مثلُ القوم الذين كذبوا بآياتنا، فاقصص القصص لعلهم يتفكرون. ساء مثلا القومُ الذين كذبوا بآياتنا وأنفُسُهم كانوا يظلمون، من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون” [الأعراف:175ـ178].
وقال سبحانه: “مثل الذين حُملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا، بيس مثلُ القوم الذين كذبوا بآيات الله، والله لا يهدي القوم الظالمين” [الجمعة5].
وقال سبحانه: “فمالهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمُرٌ مستنفرة فرت من قسورة” [المدثر49ـ51]. أي: “صادين غافلين عن التذكرة، كأنهم في نفرتهم الشديدة منها حمر مستنفرة، أي: كأنهم حمر وحش، نفرت فنفر بعضها بعضا، فزاد عدوُها. فرت من قسورة. أي: من صائد ورام يريدها، أو من أسد ونحوه”. [تيسير الكريم، ج3/ص396 بتصرف يسير].
وقال سبحانه: “والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم “[محمد12].
قال سيد قطب رحمه الله: “إن الفارق الرئيسي بين الإنسان والحيوان: أن للإنسان إرادة وهدفا وتصورا خاصا للحياة يقوم على أصولها الصحيحة، المتلقاة من الله خالق الحياة. فإذا فقد هذا كله فقد أهم خصائص الإنسان المميزة لجنسه، وأهم المزايا التي من أجلها كرمه الله”. [في ظلال القرآن،ج6/ص3290].
وقال الله جل جلاله: “ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس، لهم قلوبٌ لا يفقهون بها، ولهمُ أعينٌ لا يُبصرون بها، ولهمُ آذانٌ لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام بل هم أضل. أولئك هم الغافلون” [الأعراف179].
وقال تعالى: “أرآيت من اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكيلا. أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا” [الفرقان43ـ44].
فهذا هو الوصف اللائق بكل من يكفر بالله ويُعرض عن طاعته، ويتبع هواه. إنه انحدار رهيب من مرتبة ملكٍ متوج إلى درك حيوانٍ بهيم، بل إلى أسفل من ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *