من مميزات منهج السلف “لا معصوم إلا صاحب الرسالة” أبو إسحاق نور الدين درواش

من المقرر في العقيدة الإسلامية الصحيحة، التي هي أساس منهج السلف، أن لا عصمة لأحد بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن العصمة ليست إلا للأنبياء فقط وهذا أمر دلَّت عليه نصوص القرآن والسنة وآثار سلف الأمة:

قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ” النساء.
قال شيخ الإسلام:”فلم يأمرنا بالرد عند التنازع إلا إلى الله والرسول، فمن أثبت شخصا معصوما غير الرسول أوجب ردّ ما تنازعوا فيه إليه، لأنه لا يقول عنده إلا الحق كالرسول، وهذا خلاف القرآن..” (منهاج السنة 6/190).
وقال: “فإن الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل، فلا يكون خبرهم إلا حقاً، وهذا معنى النبوة، وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب، والرسول مأمور بدعوة الخَلق وتبليغهم رسالات ربه” (مجموع الفتاوى 7/18).
أما غيرهم فإنه يدخل تحت كلية النبي صلى الله عليه وسلم التي قال فيها:”‏‏كُلُّ بَنِي ‏آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخطائين التَّوَّابُونَ” صحيح الجامع.
إن عدم عصمة غير الأنبياء أمر مجمع عليه بين أهل السنة، أتباع السلف، حملة نور النبوة، الجاعلين منه سراجا يضيء لهم طريقهم السائرين عليه إلى مولاهم سبحانه وتعالى، ولهذا فإن السلفيين أهلَ السنة والجماعة لا يُضْفون القداسة على كلام أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل متكلم بعده صلى الله عليه وسلم فإن كلامه يحتمل الخطأ والصواب، وهو عرضة للقبول والرد، كما قال إمام دار الهجرة: “ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر” وأشار إلى قبر المعصوم صلى الله عليه وسلم.
أما غير أهل السنة، فإنهم يسدلون ثوب العصمة على أئمتهم، وعلى رأس هؤلاء، الشيعة الروافض الذين جعلوا أئمتهم كالأنبياء لا يقولون إلا الحق، ولا يعملون إلا به، ولا يصدرون إلا عنه:
– جاء في بحار الأنوار (25/350-351) من قول المجلسي: “إن أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأئمة -صلوات الله عليهم- من الذنوب الصغيرة والكبيرة عمداً وخطأً ونسياناً، من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله عز وجل”.
وبما أن التشيع هو الأب الروحي للتصوف، وهو المزوِّد له بالعقائد والمناهج والأفكار، فقد تلقى الصوفية هذه العقيدة الشنيعة عن الشيعة وألبسوها أولياءهم وشيوخهم:
– قال إمامهم الأكبر ابن عربي الحاتمي: “إن من شرط الإمام الباطن أن يكون معصوما..” الفتوحات المكية (3/183).
– وقال القشيري في رسالته: “من أجَلِّ الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعة والعصمة من المعاصي والمخالفات” (ص 160).
– وقال التيجاني في جواهر المعاني (1/252): “ثم لتعلم أن من تجلى الله له بالسر المصون والغيب المكنون عصم من المعاصي بكل وجه وبكل اعتبار، فلا تتأتى منه المعصية التي هي مخالفة أمر الله تعالى صريحا أو ضمنا”.
– وهذا عبد العزيز الدباغ يقول في إبريزه (ص:298): “إن الذنوب لا تصدر إلا من المحجوبين أهل الغفلة والظلام، ولا تصدر من العارفين أهل القرب والمشاهدة”.
– ويرث عنه عبد السلام ياسين -زعيم جماعة العدل والإحسان- هذه العقيدة فيقول في كتابه (الإحسان الرجال ص:56) : “إن إسلاس القياد لولي مرشد يدلك على الطريق شرط في السلوك، وما كان لولي أن يأمر إلا بحق”.
وهذا من أوسع أبواب الضلالة التي تدخل بها زنادقة الصوفية والرافضة على أتباعهما. فإنهم يزعمون أن لأئمتهم وشيوخهم العصمة التي لم تكن إلا للرسل عليهم الصلاة والسلام؛ ولهذا لا يجيزون لأنفسهم الاعتراض عليهم بقول الصوفية: “من قال لأستاذه:لم؟ لا يفلح” لأن “الشيخ في أهله كالنبي في أمته” (انظر كتاب التصوف: المنشأ والمصدر، ص:228).
وعودا على بدء أقول: لقد عصم الله أتباع منهج السلف من هذا الخبال، فقال أحد أئمتهم وهو ابن القيم رحمه الله تعالى: “إن كون العبد مصطفى ووليا لله ومحبوبا لله، ونحو ذلك من الأسماء الدالة على شرف منزلة العبد وتقريب الله له، لا ينافي ظلم العبد نفسه أحيانا بالذنوب والمعاصي، بل أبلغ من ذلك أن صِدِّيقِيَّتَه لا تنافي ظلمه لنفسه، ولهذا قال صديق الأمة وخيرها للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم”. (طريق الهجرتين: ص 306/307).
ويقول العلامة الشوكاني: “واعلم أن أولياء الله غير الأنبياء ليسوا بمعصومين، بل يجوز عليهم ما يجوز على سائر عباد الله المؤمنين، لكنهم قد صاروا في رتبة رفيعة ومنزلة عَليَّة، فقَلَّ منهم من يخالف الصواب وينافي الحق، فإذا وقع ذلك فلا يخرجهم عن كونهم أولياء لله” قطر الولي (ص:234).
ولما كان من مميزات المنهج السلفي ما أسلفنا كان لازمه: “عدم التعصب للرجال” وهو مميزُ الحلقة القادمة بحول الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *