مظاهر التغريب داخل مجتمعنا المغربي

لقد شخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم داء التغريب في قوله الشريف: “لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم، شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟! (متفق عليه).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث: “ضَب”: دويبة معروفة.. والذي يظهر أن التخصيص إنما وقع لجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم – لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم – لو دخلوا في مثل هذا الصغير الرديء لتَبِعوهم. (فتح الباري 6/574).

إن إتباع آثار اليهود والنصارى، ممثلا في اقتفاء آثار الغرب في طرائق معايشهم ومناهج حياتهم، أصبح من الأمور المميزة لحياتنا اليومية، وتتعدد مظاهر هذه التبعية في أمور شتى، نحاول استعراض أغلبها أو أهمها في النقاط الآتية:

إعطاء أسماء أجنبية للمؤسسات التعليمية والمحال التجارية:

فالمتجول في شوارعنا الوطنية يهوله هذا الكم الخطير من الإعلانات التي تحمل أسماء أجنبية، إما مكتوبة بحروف عربية -وهو الأدهى والأمرّ – أو مكتوبة باللغة الفرنسية أو الإسبانية أو الإنجليزية، فهذا محل للسيارات يطلق على نفسه “الألفي موتورز” ومؤسسة تعليمية تدعى “سانت ماركوريت ماي”، ومدينة للألعاب تدعى ” Magic park” ومحل أدوات كهربائية لمالك مسلم سماه باسمه وأضاف إليه إسم”إليكتريك هاوس” ومحل ألعاب اسمه “Beach Club”، ومحل “Blue Eyes” لبيع المستلزمات الطبية للعيون، أما المراكز التجارية الكبرى فحتى أسماء السلع المعروضة تكتب بالفرنسية، إن هذه مجرد أمثلة لأسماء عديدة غيرها تصدم المتجول بالشارع، وتجعله يشعر بأنه في بيئة غربية غير البيئة العربية التي يحيا فيها!

تقليد الغرب في اللباس والكلام والعادات شبرا بشبر وذراعا بذراع:

فهاهنَّ بناتنا ترتدين الملابس على الموضة الغربية، وتمشيين في الشارع شبه عاريات قلما تجدهن من غير صحبة شاب، حتى أصبح من النادر رؤية فتاة تمشي محتشمة تظهر زيها الإسلامي، بل أصبحت رؤية من ترتدي النقاب أو الخمار ومن يرتدي الجلباب ويطلق لحيته هو الاستثناء، وما تعرت بناتنا وتكشفن إلا تقليدا لبنات المستعمر الأجنبي، وهذا من آثار الاستيلاب الذي يمارسه عادة كل منتصر على نفسية وسلوك المنهزم. وفي أسلوب الحوار، تجدهم يحاولون إقحام كلمات باللغة الفرنسية أو الإنجليزية أثناء الحديث، حتى يبدو المتكلم كأنه “مثقف”! فلا يخلو الحديث من إقحام كلمات مثل: “D’accord” و”Ça vas” و”Bay Bay” و” Bon week-end” و”Bonjour” و” Bonsoir” و”Evidement”… الخ. وفي ذلك هجران للغتنا وتقليل من شأنها، خاصة مع وجود البدائل لكل تلك الكلمات والعبارات في ديننا وثقافتنا.

وسائل الإعلام المغربية والتغريب:

لوسائل الإعلام المختلفة المسموعة منها والمكتوبة والمرئية أثرها البالغ على صناعة الرأي العام وتوجيه، وتثقيف الجماهير وتحديد ميولاتهم وقناعاتهم، لذا عمد الغرب إلى توجيهها لخدمة أهدافه والسيطرة عليها وإعداد من يتولون أمرها من بعدهم لاستكمال ما بدؤوه. ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد، قال المستشرق “جب” موضحا أهمية اهتمام الغرب بالصحافة لتغريب المسلمين: “..وللوصول إلى هذا التطور الأبعد..الذي تصبح الأشكال الخارجية بدونه مجرد مظاهر سطحية، يجب ألا ينحصر الأمر في الاعتماد على التعليم في المدارس، بل يجب أن يكون الاهتمام الأكبر منصرفا إلى خلق رأي عام، والسبيل إلى ذلك هو الاعتماد على الصحافة”. (الغزو الفكري والتيارات المعادية).

ثم يستطرد مقررا: “إن الصحافة هي أقوى الأدوات الأوربية وأعظمها نفوذا في العالم الإسلامي” المصدر السابق، ثم يبين نتائج هذا الغزو الفكري عن طريق الصحافة قائلا: “إن النشاط التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والصحافة قد ترك في المسلمين من غير وعي منهم أثرا جعلهم يبدون في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد.. وذلك خاصة هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته..” المصدر السابق.

فالصحافة تلعب دورا بارزا في توجيه عقول الناس وتشكيل عواطفهم، وهي تسير في خدمة التغريب ونشر أفكاره بصورة واضحة، فصحفنا اليومية كـ (الأحداث المغربية، الصباح..) والمجلات الأسبوعية والشهرية ( TELQUEL ; FEMME DU MAROC…) مليئة بصور السعي إلى الفساد والترويج للفاحشة، خاصة المجلات المهتمة بالمرأة والسينما والفن والمسرح، إلى جانب صفحات الحوادث المثيرة والصفحات الرياضية التي تشغل فكر وعقول الشباب بما لا ينفعهم ويضيع أوقاتهم.  أما ما تبثه وسائل إعلامنا الوطني من مسلسلات وأفلام وبرامج في غالبيتها ترويج للنموذج الغربي سواء على مستوى اللغة أو القناعات، فما أكثر المظاهر المخلة بالحياء والقيم والآداب الإسلامية التي تروج لها قنوات إعلامنا، وذلك من خلال الأفلام الأوربية والأمريكية والمكسيكية التي تعمل على نخر هوية أمتنا وإبراز القيم الغربية البعيدة والمنافية للإسلام، حتى أصبحت الأسرة المسلمة يستحيل اجتماعها أمام جهاز التلفاز. ويرى الكثير من المتتبعين لهذا العبث الإعلامي التغريبي أن أهداف هذه الجرائد والمجلات هو إشغال الشباب خاصة والناس عامة عن مشاكل أمتهم الكبرى، وقضاياهم الرئيسة، وجعلها متنفسا للجماهير تُفرِّغ من خلالها همومها اليومية التي لا تنتهي، ولكن أخطر جوانبها السلبية يتمثل في إبعاد الناس عن الإسلام وتطبيع المعاصي في سلوكهم، وصبغ حياتهم بما لا يتلاءم مع آداب الإسلام وأخلاقياته.

الإكراهات المالية والتغريب

وفي التفكير والسلوك، هيمن النمط الغربي على أفراد أمتنا، فتجدهم يغرقون في الديون الطويلة والقصيرة الأجل من أجل شراء بيت أو سيارة أو قضاء عطلة أو عيد أو غير ذلك من الكماليات، ولا يهتمون بما إذا كانت هذه المعاملات تَحْرُم لارتباطها بالربا أو ماشابهها من المعاملات المحرمة.

عادة الاستهلاك والتغريب

إن الهدف الرئيس لتغريب المجتمعات المسلمة جعلها سوقا استهلاكية خصبة لترويج المنتجات والسلع الغربية، وبتغيير العادة الاستهلاكية لهذه الشعوب تزداد متطلباتها ومنه  تزداد مشترياتها، في المأكل والمشرب، فأصبحنا نسمع عن القروض الربوية لتغطية مصاريف العطل والسفريات. أما فيما يخص السلوك اليومي لتناول وجبات الغذاء فقد انتشرت في شوارعنا ثقافة محلات تقديم الوجبات السريعة “السندوتشات” نتيجة الضغط الإداري والاقتصادي مما جعل الدور التربوي الكبير الذي يمثله الالتفاف الجماعي للأسرة حول مائدة الأكل خلال الوجبات الرئيسة يصبح شبه منعدم، فانعدمت معه الآداب الإسلامية التي تنظم طريقة الأكل والشرب.

فرض النظم والقوانين الأوربية بالقوة

عمد المستعمر الفرنسي على تشويه الفطرة وتلويثها وتغيير التشريع الإسلامي بل ومحوه، وإحلال القوانين الوضعية محل الشريعة الإسلامية المطهرة، ورسم خطوط التعليم والاقتصاد والاجتماع على ما يوافق تفكيرهم وتوجههم، فكانت الطامة الكبرى خروج أجيال من الإسلام عنادا واستكبارا، وانحراف مفاهيم آخرين، حتى ظنوا بتأثير التربية الاستعمارية الغربية أن الإسلام مثل الديانة النصرانية المحرفة، أي عقيدة في الضمير والوجدان دون أن يطبق نظامه على المجتمع، وظنوا أن الدين لا علاقة له بواقع الحياة، بل هو مختص بالشعائر التعبدية كما هو الشأن في الديانة النصرانية المحرفة (ما لله لله، وما لقيصر لقيصر).

من هنا يتبين خطر المستعمر في تدمير الشريعة الإسلامية وأن الاستعمار كان هدفه الرئيس تحريف الشريعة الإسلامية، من أمثلة ذلك فرض فرنسا لقوانين وضعتها على مسلمي البربر لعزل الشريعة عن حياتهم باستعمال القوة، يقول “سوردون-Sordon” واضع هذا التشريع: “إن الأسلحة الفرنسية هي التي فتحت البلاد البربرية فلأصحاب هذه الأسلحة الحق في اختيار التشريع الذي يجب تطبيقه في البلاد..، وإذا كانت العادات العرفية البربرية (أي التي كانت للبربر قبل إسلامهم) لم يكن لها مناص من الاضمحلال أمام مشروع مدون (يعني الشريعة الإسلامية) فلماذا لا تضمحل أمام شرعنا نحن الفرنسيين”، فأدخل القانون الفرنسي في المغرب سنة 1913م.

الآثار المدمرة لهذا الانقلاب التشريعي الخطير

لم تكن الشريعة الإسلامية مجرد حدود وتعزيزات تطبق، ولكنها إقامة المجتمع على أسس أخلاقية سامية وحمايته من الكثير من صور الفساد والانحطاط، لذا استقر المجتمع الإسلامي في ظلها قرون عديدة، فلم يعرف المجتمع في سلوكه الظاهر وواجهته العلنية ما في المجتمعات الغربية من دور البغاء المرخصة، وحانات الخمور، وبيوع المراهنات، وسائل إشاعة الفاحشة من الملاهي والمراقص، وغاية ما وجد من ذلك يعتبر منكرا يحرص صاحبه على إخفائه لأن الشريعة (“قانون” الأمة) تعاقب صاحبه عليه وتعزره، ولأن العرف العام الذي رسخته الشريعة في النفوس يستنكره ولا يرضى به.

كل هذه المظاهر هي مجرد نماذج لما أصاب هويتنا في مقتل، ذلك أن أهم شيء فطن إليه أعداؤنا هو ما تضيفه إلينا هويتنا من عزة وفخر، فكانت محاولاتهم الدؤوبة والمتكررة لمسخ تلك الهوية وتشويه صورتها، والآن وبعد وضوح هذه المخططات وآثارها على مجتمعاتنا، فإما أن نظل ملتزمين بهويتنا الإسلامية، وإما أن ننجرف مع التيار فيبتلعنا ونهلك ونصبح نسيا منسيا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *