إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت حوار القلوب على مائدة شهر غفران الذنوب عبد اللطيف راحل

حديثي هذه المرة حديث خاص أزفه إلى أخٍ لنا في الله، طالما متعنا في المساجد في رمضان بمرآه، ولطالما آنست قلوب إخوانه فرحة لقيه، أخٌ نراه في كل صف من الصفوف، بل نراه في كل مسلم رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا.
أخٌ قد لا يسلم من أخطاء سلوكية وكلّنا خطاء، وقد لا ينجوا من تقصير في العبادة وكلنا مقصر، بل ربما كان مبتلا ببعض المعاصي الظاهرة وقد أسرَّ ذنوبا أخرى، ونحن المذنبون..
أخي الحبيب إنه حديث أخصك به فأرجوا أن تلامس نبراته شغاف قلبك الطيب وتنفذ عباراته إلى عقلك النير، حديث لم تدفعني إليه إلا محبتك والحرص عليك، محبة تجعلني أشعر بالفخر كلما رأيتك تخطوا خطوة إلى الأمام، وحرص يتفطر معه القلب كلما رأيتك تراوح مكانك أو ترجع القهقرى.
أخي الحبيب، لا تحسبن أن الأخطاءَ أمرٌ تفردنا به ولم نسبق إليه، كلا! فما كنا في يوم ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لكنّا بشر معرضون للخطيئة، نذنب فنستغفر الله عسى الله أن يغفر لنا، وفي الحديث: “لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم”.
وللعلم فليس في الحديث ما يبرر المعاصي ويسوِّغ الذنوب، فكم اصطلينا بنار الذنوب وآلمنا شؤم المعاصي، فكن على حذر من عدو الله إبليس فيستثمر في ذنبك ويرابي في خطيئتك ليلقي في روعك أن هذه الذنوب هي خندق يحاصرك لا تستطيع الخروج منه، ويوحي إليك أن المعاصي تسلبك أهلية العمل للدين أو الاهتمام به، ولا يزال بك من غير إياس دع أمر الدين والدعوة للمتدينين فما أنت منهم، يضخم هذا الوهم في نفسك ليريك أنك فئة والمتدينون فئة أخرى، إنها حيلة شيطانية إياك والاستسلام لها، فأنت متدين، أنت تعبد الله بأعظم عبادة تعبد بها بشر لله وهي التوحيد، أنت الذي حملك إيمانك فطهرت أطرافك بالوضوء، وعظمت إلهك بالركوع وخضعت له بالسجود، أنت صاحب الفم المعطر بذكر الله ودعائه، والقلب المنور بتعظيم الله وإجلاله، فهنيئا لك توحيدك وهنيئا لك إيمانك.
إنك أُخَيَّ صاحب قضية هي أكبر من أن تنحصر في فريق كروي يربح أو يخسر، وهي أكبر من أن تدور فصولها حول تتبع أخبار الفنانين أو التربص بالفتيات لربط علاقة غير مشروعة، هي أكبر من أن تُقصر على مجرد المتعة والشهوات، فذلك كله ليس شأنك، بل هو شأن غيرك ممن قال الله فيهم: “وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُم”.
أخي الحبيب إنك تعيش لقضية هي أخطر وأكبر، قضيتك هي هذا الدين الذي أنزله الله، وهو سر إيجادك في هذه الدنيا واستخلافك في الأرض، “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”.
مرة أخرى إن تقصيري وإياك في طاعة الله أو خطئي وإياك في سلوكنا لن يعفينا أبدا من هذه المسؤولية الكبرى، فالخطايا ليست عذرا مبيحا للتحلل من الولاء للدين أو العمل له ونصرته والغيرة عليه.
نعم أيها الحبيب المحب إن الولاء للدين والغيرة عليه مسؤولية المسلم من حيث هو مسلم مهما كان فيه من تقصير، مادام يربطه بهذا الدين سبب واصل، “فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
أخي الحبيب آن الأوان لتدرك أن دينك الذي تدين به مستهدف بعداء مرير وكيد كبير.
ألم تؤلمك أحوال المسلمين من حولك؟ ألم تتحرك فيك روح الجسد الواحد؟
أخي هل فتشنا في أنفسنا وتساءلنا ما حجم اهتماماتنا الدعوية من جملة ما نهتم به؟
وهل الدين فعلا هو قضية في حياتنا وتشغل حيزا من تدابيرنا اليومية؟
أم أننا رضينا بعبادات استحالت مع طول الأمد إلى عادات خواء من الروح؟
هل يدور في خلدك أنك جزء من هذه الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس؟
أخي الحبيب كيف هي نظرتنا إلى إخواننا الصالحين الذين سبقونا بالإيمان، والذين هم أكثر منا اجتهادا في الطاعة ونشاطا في الدعوة وتوقيرا للسنة؟
أما إني لا أتوقع منك أن تزدريهم أو تخذلهم، ولكن أحبَّهم تكن منهم، فالمرء مع من أحب، ولا تنس أن محبتهم تستلزم نصرتهم والذب عن أعراضهم والتعاون معهم.
أخي هل بذلت جهدا في الدعوة إلى الله مهما كان قليلا لتتميز عن غيرك ممن لا يهتم بهذا الأمر من السلبيين الذين رضوا أن يكونوا مع الخوالف، ونقول لهم كفوا أذاكم عن الناس فهو صدقة منكم على أنفسكم؟
أخي هذه المنكرات التي غصت بها المجتمعات الإسلامية لم تنتشر في يوم وليلة، وإنما انتشرت لأن واحدا فعل والآخر سكت، وهما شريكان في انتشارها، فهل استشعرت أنك مأمور بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف حسب ما يسمح به موقع مسؤوليتك، فتحيي هذه الشعيرة الإسلامية وفق الضوابط الشرعية والآداب المرعية.
وفي الختام، لا أريد أن أهوِّن الذنوب في نفسك، فإن الذنوب إذا هانت أهانت، وإذا اجتمعت أهلكت، ولا أريد التقليل من شأن الخطايا فرب خطيئة كان عقابها طمس البصيرة.
لكني ألحُّ على أن لا تكون الذنوب خندقا يحاصرنا عن العمل لهذا الدين، فلنكن من ذلك على ذكر، “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *