الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد إلى الأعمال الحميدة، والزجر عن كل ما يخالف السنة النبوية، وحفظ العلم من الأوباء، وتعليم الناس دينهم الصحيح، وتبيين الأحكام الشرعية بالقول الفصيح مهمة أنيطت أصالة بالعلماء، مما يدل على كبر المهمة الواقعة على أعناقهم، وعظم المسؤولية الجسيمة التي تقلدتها أيديهم.فالعلماء كانوا ولايزالوا في مكان المراقبة من الأمة، وفي محل الاتباع من الناس، وهم بادئ ذي بدء منظور إلى أفعالهم وأحوالهم وتصرفاتهم، خاصة في مثل هذه الأيام التي كثرت فيها الشهوات، وعظمت وطمت فيها الشبهات.فعلى العلماء أن يقوموا بالإصلاح وفق الكتاب والسنة على منهج سلف الأمة الصالح أخذا بالتقعيد والتأصيل، وتجنبا للقول الشاذ العليل فإن العلم شيئان: إما نقل مصدق، أو بحث محقق، وما سوى ذلك فهذيان مزوق.يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “فالمرصدون للعلم: عليهم للأمة حفظ الدين، وتبليغه، فإذا لم يبلغوهم علم الدين أو ضيعوا حفظه كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين، ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}، فإن ضرر كتمانهم تعدى إلى البهائم وغيرها، فلعنهم اللاعنون، حتى البهائم” الفتاوي 28/187.فأين مثل الإمام الشافعي رحمه الله الذي كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس؟قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: “أي رجل كان الشافعي فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟”.قال: ” يا بني كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف؟ أو منهما من عوض؟” السير10/45.فلما كان الدين في أسه مبنيا على العلم كانت مهمة حملة العلم وخلفاء الرسل قائمة على أسس ثلاثة:الأول: درء الغلو.الثاني: نقض الباطل.الثالث: كشف الجهل.فهذه الأمور هي صفوة مسؤولية العلماء: الحفاظ على أحكام شريعة رب السموات والأرضين، والذب عن الملة والدين كالشمس للدنيا والعافية للعالمين.وصدق من قال من السلف واصفا العلماء حقا: “مثل العلماء مثل الماء، حيثما سقطوا نفعوا” جامع بيان العلم وفضله1/257.قال صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين” حديث حسن.قال ابن القيم عند هذا الحديث: “فأخبر صلى الله عليه وسلم أن العلم الذي جاء به يحمله عدول أمته من كل خلف حتى لا يضيع ويذهب” مفتاح دار السعادة 1/163.وقال العلامة صديق حسن خان شارحا هذا الحديث: “يعني علم الكتاب والسنة يحمله من كل جماعة آتية بعد السلف أهل العدل منهم الراوون له.(ينفون عنه تحريف الغالين) أي: تغيير المتجاوزين عن الحد في أمر الدين.والتحريف: تبديل الحق بالباطل بتغيير في اللفظ أو في المعنى.(وانتحال المبطلين) أي: يدفعون كذب أهل الباطل.والانتحال: أن يدعي شيئا لنفسه كذبا من الشعر أو القول وهو لغيره، وهنا كناية عن الكذب.(وتأويل الجاهلين) أي: يذبون تأويله الذي أولوه من غير علم وفهم للآيات والأحاديث وصرفوه عن ظاهره” الدين الخالص 3/261-263.فالحذر الحذر من عدم القيام بالمسؤولية على وجهها من ترك القيام بالمهمة على أصولها فمن أخلد إلى الباطل استحق سخط رب العاليمن وغضبه وعقابه المبين، ولو آتاه شيئا من نعيم الدنيا فإنما ذلك لهوانه عليه ليزيده بعدا عنه وليضاعف له عذاب الآخرة الأليم الذي لا تبلغ الأوهام شدته.فاللهم أصلح أحوالنا.