حمل أرباب تقديس العقول والقراءة الجديدة للمنقول بعد أن لم يكن يسمع لهم غير الفحيح معاول الهدم باختيال في ثياب الصحافة وغيرها للتلاعب بدين الله وشرعه، فانشرحت صدورهم بالمنكر، وانبسطت ألسنتهم بالسوء، وجرت أقلامهم بالسوأى، فظهرت دلائل خترهم، ومخائل غشهم، وغلث شذوذاتهم، وأشراط زغلهم على الشريعة وحملتها.
يريدون للأمة أن تميل ميلا عظيما بعد أن وجهوا وجوههم نحو المشرق والمغرب قائلين لأسيادهم هناك: {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ}، فأطاعوهم في كل الأمر، بغية الوصول بالمجتمعات المسلمة إلى مسخ هويتها، والانسلاخ عن دينها.
نادوا بكل تطرف جنوني يزاحم الفطرة، وعملوا على جر أذيال الرذائل والفحش على المجتمعات المسلمة.
و تولوا كبر الدعاية للباطل، ونشر غرائب الأحداث، وإشهار النجاسات والمحدثات، حالهم في ترداد المنكرات كنقيق الضفادع.
يريدون لهذه الأمة الضياع والتعاسة في الدنيا قبل الآخرة، ويريدون منها التنكر للدين، والتمرد على أحكام رب العالمين، يريدون إغراق الناس في الشهوات والشبهات، يريدون مجتمعا بلا شريعة، إلا شريعة أهوائهم الرديئة، وشهواتهم الدنيئة، ومبادئهم الوبيئة!!
دأب هؤلاء على تطويع نصوص الشريعة حتى تساير معطيات الحضارة المادية.
إنهم يريدون التبديل، ولا يريدون إيجاد أحكام لما جد من أحداث.. يريدون أن تكون الشريعة محكومة لما يجري بين الناس لا أن تكون حاكمة على ما يجري، ويتناسوا أن الشريعة نزلت من عند الله لإصلاح المجتمع، وتنظيم العلاقات بين الناس.
أصلهم الأصيل وأسهم الأساس الذي ساروا عليه: تقديس العقل واعتباره مبدأ أصول العلم، وجعلوا الوحي تابعا له.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “طريق النجاة من العذاب الأليم والسعادة في دار النعيم.. الرواية والنقل، إذ لا يكفي من ذلك مجرد العقل، بل كما أن نور العين لا يرى إلا مع ظهور نور قدامه فكذلك نور العقل لا يهتدي إلا إذا طلعت عليه شمس الرسالة” الفتاوي 1/6.
لقد شقيت الصحافة وغيرها بسخافات هؤلاء القوم الذين لم يستحوا أو يرعوا في نشر هرائهم، حتى بلغ ضلالهم مداه، فظهر من جهلهم وصلفهم ووقاحتهم ما يقضي امرؤ منه العجب.
فليعجب المرء من زمان يتكلم فيه في دين الله تعالى البغاث، ويخوض في العلم الشرعي الأحداث!
صدعوا بباطلهم بعدما كانت أصواتهم مقموعة، وأعلامهم منكسة مخلوعة، لا يسمع لكلامهم إذا قالوا، أو يخدع بباطلهم إذا شغبوا.
لكن لما صارت لهم صولة، وعلى ثقافات وأفكار الناس جولة، أذاعوا بنيات أفكارهم، وسطروا الباطل الصريح بأقلامهم.
إنهم زعماء مدرسة إعادة قراءة النصوص الشرعية، أفراخ المدرسة العقلانية، أصحاب الدعوات الوافدة المستوفدة التي “جمعت أنواع التناقضات ذاتا، وموضوعا، وشكلا. فإذا نظرت إلى كاتبيها وجدتهم يحملون أسماء إسلامية، وإذا نظرت على المضمون والإعداد وجدته معول هدم في الإسلام، لا يحمله إلا مستغرب مسير، أشبِه قلبه بالهوى والتفرنج…هذا مع ما يحيط بهم من غرور واستعلاء، تولد من نفخ بعضهم في بعض…عار -والله- أن يصبح توجيه أخلاق الناس في هذا العصر بأقلام هذه الفئة المضللة المسيرة، التي خالفت جماعة المسلمين، وفارقت سبيلهم، واشتغلت بتطميس الحق، ونصرة الهوى..” حراسة الفضيلة 152.
وحتى لا يعرض لنفوس البعض مما يعرض من جراء شدة القول وعنفه مع هؤلاء القوم نقول: من الأصول العلمية عند أهل العلم: “جواز الرد بعنف على من يماري بغير علم، إذا قصد الراد إيضاح الحق، وتحذير السامعين من مثل ذلك” كما في “فتح الباري” 1/366، وعنه: “الفوائد المنتقاة..” ص : 45 للعلامة عبد المحسن العباد -حفظه الله -.
وقال شيخ الإسلام مصطفى صبري رحمه الله: “..ثم إني ما قسوت في القول إلا على الذين قست أقوالهم على أساس من أسس الدين، أو علم من علومه، أو طائفة من علمائه”. موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين 46/1.
فاحذر عبد الله وحذِّر غيرك من شذوذات هذه الفئة، صاحبة الفقه المعكوس والرأي المنكوس، الذين يريدون بذلك جر الويلات لك، وتعميم البلاء عليك حتى ينتهي الأمر بك إلى صرفك عن سواء السبيل، منحرفا عن الحق والدليل، متنكرا لما هو مقرر في الشرع من تقعيد وتأصيل، كالبعير بلا خطام، يخبط على الشوك ويأكله دونما فطام.