من ضوابط التربية والتعليم

غير خاف على أحد، ما للرسالة التربوية من أهمية بالغة، وما يعترض سبيل مؤديها من مشاق وصعبات جسيمة، لذا فإن أداءها لا يستقيم على الوجه الناضج والصورة الكاملة إلا بضوابط لا بد منها فمن أهمها:
الكفاءة العلمية:
بوب الإمام البخاري بابا في صحيحه سماه “باب العلم قبل القول والعمل” وهذا تنبيه منه إلى أن التربية والتعليم، وما يرتبط بذلك من العمل لا بد أن يتقدمه علم محكم، ومن ثمة فإن النتيجة الضرورية أن الطريق الصحيحة لفهم العلوم وتحصيلها، والتمكن منها، هي الأخذ المباشر عن المعلم الكفء، وإلا كان الخلط والاضطراب والاختلال في المعاني والمباني، ومن هنا وجب على معلمي الناس الخير أن يجمع بين العلم والعمل وبين بعد النظر وحسن السيرة.
ولا يكفي في المعلم أن يكون عالما متخلقا فحسب، بل يشترط فيه أن يكون ممن يأخذ أمر التعليم والتربية بحزم وجدية، وإلا صار معدودا في عداد المجروحين المتروكين.
ويشترط في المعلم أيضا أن يكون عفيفا قنوعا يتورع عن استغلال المتعلمين ماديا ومعنويا، فلا ينبغي أن يحملهم على الهدية وما شابهها، ويرغمهم على ذلك وإلا وقع في المحظور، يقول العلامة المالكي ابن سحنون رحمه الله: “ولا يحل للمعلم أن يكلف الصبيان فوق أجرته شيئا من هدية وغير ذلك، ولا يسألهم في ذلك، فإن أهدوا إليه على ذلك، فهو حرام” آداب المعلمين 356، كما أنه لا يجوز له أيضا أن يستعمل تلامذته في قضاء أغراضه الشخصية، وفي هذا يقول ابن سحنون: “ولا يجوز للمعلم أن يرسل الصبيان في حوائجه” نفسه 359.
ليس هذا فحسب بل إن من مظاهر كفاءته أيضا أن لا يكون ميّالا إلى بعض المتعلمين دون بعض بل يجب عليه أن يكون عادلا منصفا، يقول ابن سحنون: “وليجعلهم بالسواء في التعليم، الشريف والوضيع وإلا كان خائنا” نفسه 360.
2ـ الدمج بين التربية والتعليم:
إذا كانت الغاية الوجودية للإنسان هي الخلافة عن صاحب الشرع في الأرض، فإنه لا بد له من الجمع بين العلم النافع والعمل الصالح ومن هنا كانت الضرورة داعية إلى وجوب الدمج بين التعليم والتربية، وبين الحفظ والفهم والامتثال، فلا خير في علوم مجردة لا تنفع، ولا خير في علوم لا تترتب عليها فائدة للأمة قلت أو كثرت، في العاجل أو الآجل ولا خير في استقامة أو عدالة عرية عن العلم في الجملة، وما أروعها من كلمة نطق بها الإمام مالك إذ قال: “لقد سمعت من سبعينا شيخا أتقرب إلى الله بأدعيتهم، لا أروي عن أحد منهم حديثا” انظر ترتيب المدارك 1/123، وإنما قال هذا لأنهم كانوا أهل سلامة لا تؤمن غفلتهم، وإن قويت ديانتهم، بل أكثر من ذلك فإن الإسلام لا يكتفي بالتربية والتعليم فحسب بل يتعداهما إلى أسلوب أعمق وأعظم من التعليم والتربية إنه أسلوب التزكية المقرونة بالحكمة يقول تعالى: “ُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” فالعلاقة بين التربية والتعليم علاقة أشبه ما تكون بعلاقة اللازم بالملزوم والفصل بينهما خراب ودمار.
أما في زماننا فقد انفصل التعليم عن التربية إلى حدٍّ فقد معه التعليم صبغته الإنسانية -إلا من رحم الله-، واكتسى صبغة آلية مجردة، فكان ما كان من العبث والانحلال وضعف التحصيل في صفوف التلاميذ ذكورا وإناثا وعجز المؤسسة التربوية عن تخريج فوج تشم منه رائحة الأئمة الأعلام والفقهاء الكرام في ورعهم وأخلاقهم ونبوغهم العلمي، وإلى الله المشتكى.انظر “القول المبين في الكشف عن صلة العلم بسياسة الدنيا وحراسة الدين”

بتصرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *