تمتاز الشريعة الإسلامية بربانية المصدر فهي من تشريع الله عز وجل الحليم الحكيم “هو من يضع الأمور في مواضعها ويوقعها في مواقعها، فالله جل وعلا حكيم لا يضع أمراً إلا في موضعه، ولا يوقعه إلا في موقعه، ولا يأمر إلا بما فيه الخير، ولا ينهى إلا عما فيه الشر، ولا يعذب إلا من يستحق العذاب وهو جل وعلا ذو الحكمة البالغة، له الحجة والحكمة البالغة.”
ثم إنه سبحانه وتعالى عليم بكل ما يصلح أحوال الناس ذكورهم وإناثهم كبارهم وصغارهم.. “أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ” .
فالله عليم بخلقه حكيم في تدبير أمورهم وتشريع ما يُصلحهم ووصْفُ الله لنفسه بأنه “(الحكيم العليم) أكبر مدعاة للعباد أن يطيعوه، ويتبعوا تشريعه؛ لأن بحكمته سبحانه يعلمون أنه لا يأمرهم إلا بما فيه الخير، ولا ينهاهم إلا عما فيه الشر، ولا يضع أمراً إلا في موضعه، وبإحاطة علمه، يعلمون أن ليس هنالك غلط في ذلك الفعل، ولا عاقبة تنكشف عن غير ما أراد؛ بل هو في غاية الإحاطة والإحكام، وإذا كان من يأمرك عليم لا يخفى عليه شيء حكيم في غاية الإحكام لا يأمرك إلا بما فيه الخير، ولا ينهاك إلا عن ما فيه الشر، فإنه يحق عليك أن تطيع وتمتثل” .
ففي مجال الأسرة نجد أن الله سبحانه وتعالى خلق الذكر والأنثى وجعل العلاقة بينهما علاقة تكامل لا علاقة تماثل، لأن الله عز وجل خص كل من الرجل والمرأة بمميزات خاصة لا بد منها من أجل استمرار الحياة البشرية، فخص المرأة بصفات اللين والعطف والحنان وما يتصل بهما من صفات لا غنى عنها في ممارسة وظيفتها المتعلقة بحضانة الأطفال وتربيتهم، بينما خص الرجل بكل صفات القوة والصلابة والخشونة وغيرها من الصفات التي لا غنى عنها لأداء واجبه في السعي لتأمين معيشته ومعيشة عياله، قال تعالى: “وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” .
ولقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى وعدله أن يشرع للمرأة ما يناسب أنوثتها وفطرتها وخلقتها في العبادات والمعاملات وجعل لها من الحقوق وعليها من الواجبات ما تسهم به في إيجاد أسرة مستقيمة ومجتمع صالح سليم.
وهكذا فقد راعى الإسلام طبيعتها ولم يُجز لها الإمامة العظمى لتنافيها مع فطرتها، وأسقط عنها الجماعة والجمعة وأعفاها من الصلاة وأجاز لها الإفطار في رمضان حال حيضها ونفاسها مع قضاء الصيام حال طهرها..
ولقد شرف الإسلام المرأة بمهمة عظيمة غفل عنها دعاة التغريب أو تجاهلوها ألا وهي مهمة إعداد الأجيال وتربيتها والقيام عليها، وتنشئتها التنشئة التي تؤهلها لتقوم يوما ما بمهمة عمارة هذه الأرض والسعي فيها بكل خير، والمرأة مكلفة بطلب العلم الذي به تقيم مسؤوليتها هذه أحسن قيام.
ثم إنه لا يقبل عقل أن القرآن الكريم الذي أمر بالعدل مع الأعداء يمكن أن يكون في أحكامه ما هو ظلم للمرأة المسلمة أو غير المسلمة قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُو أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”
وفي ظل هذا العدل الرباني كان الإسلام أول من كرم المرأة ورفع مكانتها وشرفها ولقد شهد بهذا غير المسلمين فهذا المفكر الغربي “غوستاف لوبون” يقول: “لم يقتصر فضل الإسلام على رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا أنه أول دين فعل ذلك، ويسهُل إثبات هذا ببياننا أن جميع الأديان والأمم التي جاءت قبل العرب أساءت إلى المرأة.”
أما المساواة التي ينادي بها هؤلاء، فإنها لا تعدو إخراج المرأة عن فطرتها وانحلالها من أنوثتها وتفسخها من أخلاقها وتخليها عن مهامها الكونية والشرعية التي أناطها بها خالقها سبحانه وتعالى لتصير –كما هو الحال عندهم- أداة إشهار ووسيلة متعة تنتهي صلاحيتها بعدم الفائدة منها.. وإلا فأين هو التطبيق الغربي العملي لمبدأ المساواة على أرض الواقع؟؟
وما هي نسبة مشاركة المرأة عندهم في هرم سلطة الدول؟؟
وما نسبة النساء في حكوماتهم؟؟
وما هي نسبة المرأة في برلماناتهم؟؟
إن دعاة المساواة والحرية للمرأة في الغرب لم ولن يقبلوا بتطبيق هذه المفاهيم المغلوطة عندما تتعارض مع مصالحهم المباشرة.
ثم ما هي مكانة المرأة العجوز عند الغرب؟؟
هل تُكرم كما تكرم الأم والجدة عند المسلمين، أم يرمى بها في ركن من أركان الملاجئ ودور العجزة بعدما أنهت دورها عندهم؟؟
إن سباحة أدعياء المساواة في الغرب ضد تيار الفطرة أنتج مشاكل اجتماعية ظلت أوربا تعانى منها وما زالت، وما العزوف عن الزواج وانتشار الشذوذ والسحاق وكثرة الأطفال المتخلى عنهم وحالات التحول الجنسي وانتشار الإجهاض فضلا عن الأمراض الجنسية إلا نتيجة حتمية ومباشرة لشعارات الحرية والمساواة.
فهل سيستفيق بنو جلدتنا أم سيظلون يلهثون خلف هذه الشعارات التي ظاهرها الخير للمرأة وباطنها الحرب على القرآن وأحكامه، فلا يشك عاقل أن القوم يرومون الوصول بحملاتهم للطعن في التقسيم الشرعي للإرث الذي قسمه الحكيم العليم الذي أحسن كل شيء خلقه وأعطاه حقه، وما ربك بظلام للعبيد.
وما أحسن ما قال العلامة “المغاربي” محمد البشير الإبراهيمي في هذا الموضوع حيث قال: “..ولقد ناظرنا جماعةً منهم في الموضوع، فأفحمناهم، وألقمناهم حجراً، قلنا لهم: هاتوا مثالاً نتناقش فيه، فقالوا: الميراث، قلنا: من أي جهة؟ فإنَّ المرأة ترث بعدة أسباب، فنظر بعضُهم إلى بعض، هل يراكم من أحد، وكادوا يتسلَّلون، وكأنهم كانوا لا يعرفون إلا أنَّ المرأةَ مظلومة في القرآن الذي يقول: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْن) ، فقال لنا أحدهم: نعني ميراثَ البنت مع أخيها، فقلت: أنتم قوم تبنون الحياة كلَّها على الحساب، فهلمَّ “نتحاسب”، ولنفرض أنَّ مُورِّثاً مسلماً مات وترك ابناً، وبنتاً، وثلاثمائة نقداً، قال الإسلام: للابن مائتان، وللبنت مائة، فقلتم: هذا ظلم، هذا غبن، هذا إجحاف، ولم تفهموا أنَّ الإسلام نظر إلى المرأة ككل، ونظر إلى مراحل حياتها الثلاث كمنظومة متناسقة، فإذا نقص لها في جزئية جبر لها في جزئية أخرى، ولنجرِ معكم على مثالنا ولا نخرج عنه، ولنفرض أنَّ الأخوين الذكر والأنثى تزوَّجا في يومٍ واحد، وليس لهما من المال إلا ذلك الميراث، فالذكر يدفع لزوجته مائة صداقاً، فيُمسي بمائة واحدة، وأخته تأخذ من زوجها مائة صداقاً فتُصبحُ ذات مائتين، والذكر مطلوب بالإنفاق على نفسه وزوجته وأولاده إن ولد، وأخته لا تُنفق شيئاً على نفسها ولا على أولادها.”
فمتى يدرك المسلمون حقيقة ما يُخطط لهم أعداؤهم، وصدق من قال:
إذا لم تكن للمرء عين صحيحة — فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر