الحق واضح بين، قال تعالى: “وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ”، فيسر الله لفظه للتلاوة ومعناه للفهم، وقال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: “الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات”، والإجماع منعقد على هذا الأصل.
فلذلك يروج الباطل على من لا علم عنده ولا معرفة ولا اعتناء له بنصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين.
قال الإمام أحمد رحمه الله: “إنما جاء خلاف من خالف، لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام” إعلام الموقعين 1/44.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “فالحق يعرفه كل أحد وإن الحق الذي بعث الله به الرسل لا يشتبه بغيره على العارف كما لا يشتبه الذهب الخالص بالمغشوش على الناقد” الفتاوي 27/315.
وقال كذلك: “وكثيرا ما يضيع الحق بين الجهال الأميين” الفتاوي 25/129.
ولذا فالميل إلى الأقوال الباطلة ليس من شأن أهل التحقيق الذين لهم قوة الإدراك وصحة الفهم وفضل الدراية وثبوت الرواية، بل ذلك دأب من ليست له بصيرة نافذة ولا معرفة نافعة.
بل حتى مذهب الرافضة الذي ابتدعه عبد الله بن سبأ اليهودي -وهو أضل المذاهب- راج على بعض المسلمين بسبب الجهل.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “إن الذي ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقا ملحدا عدوا لدين الإسلام وأهله.. وإن كان قول الرافضة راج بعد ذلك على قوم فيهم إيمان لفرط جهلهم” منهاج السنة 4/363.
وعليه فالأسباب المانعة لقبول الحق على كثرتها فإن الجهل به هو السبب الغالب على أكثر النفوس، فإن من جهل شيئا عاداه وعادى أهله.
قال ابن تيمية رحمه الله: “ولا تجد احدا وقع في بدعة إلا لنقص اتباعه للسنة علما وعملا، وإلا فمن كان بها عالما ولها متبعا لم يكن عنده داع إلى البدعة، فإن البدعة يقع فيها الجهال بالسنة” شرح حديث لا يزني الزاني 35.
مع التنبه على أن من فرط في رفع الجهل عن نفسه فمثل هذا لا يقبل اعتذاره بالجهل.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “ويلحق الذم من تبين له الحق فتركه، أو من قصر في طلبه حتى لم يتبين له، أو أعرض عن طلب معرفته لهوى أو لكسل أو نحو ذلك” الإقتضاء 2/85.
وقال السعدي رحمه الله: “ومن كان منهم راضيا ببدعته معرضا عن طلب الأدلة الشرعية وطلب ما يجب عليه من العلم الفارق بين الحق والباطل، ناصر لها، رادا ما جاء به الكتاب والسنة مع جهله وضلاله واعتقاده أنه على الحق، فهذا ظالم فاسق بحسب تركه ما أوجبه الله، عليه وتجرئه على ما حرم الله تعالى” إرشاد أولي البصائر 300.
إذا قد لا يعذر الإنسان بالجهل وذلك إذا كان بإمكانه أن يتعلم، ولم يفعل مع قيام الشبهة عنده، كرجل قيل له: هذه بدعة، وكان يعتقد مشروعيتها، فسوف تكون عنده شبهة على الأقل فعندئذ يلزمه أن يتعلم ليصل إلى الحكم اليقين، فهذا ربما لا نعذره بجهله، لأنه فرط في التعليم، والتفريط لا يسقط العذر، لكن من كان جاهلا وهو يعتقد أن ما هو عليه حق، أو يقول هذا على أنه الحق، فهذا لا شك أنه لا يريد المخالفة ولم يرد البدعة، فلا يمكن أن يضلل ولا أن يبدع بعينه حتى تزول الشبهة وتقوم المحجة.
فالحذر الحذر من التمادي في الجهل فإنه سبب رئيس في الانصراف عن الحق والصواب الذي ورد في السنة والكتاب.
قال الشاطبي رحمه الله: “أما إذا كان هذا المتبع ناظرا في العلم ومتبصرا فيما يلقى إليه.. فإن توصله إلى الحق سهل” الإعتصام 2/344.