أخلاق الفتن والمحن

إن للفتن أخلاقا يجب التحلي بها حتى لا تؤثر تلك الفتن سلبا على الإنسان، أو يكون هو بنفسه يؤثر سلبا على جماعة المسلمين.. 

فمن تلك الأخلاق:
‌أ- التأني والرفق والحلم وعدم العجلة
فالتأني والرفق والحلم عند الفتن وتغير الأحوال محمود لأنه يُمكِّن المسلم من رؤية الأشياء على حقيقتها وأن يبصر الأمور على ما هي عليه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس رضي الله عنه: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة ) رواه مسلم.
فعلينا جميعاً بالرفق في الأفكار والمواقف وفي كل ما يجدّ من الحوادث وعدم العجلة فإنها ليست من منهج الأمة الإِسلامية وخاصة في زمن الفتن.
‌ب- الصبر
نحتاج إلى الصبر كثيراً، وخصوصاً عند الفتن. يقول الله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف؛ ولذلك وَعَى السلف الصالح أهمية الصبر عند وقوع الفتن والحوادث وإليك نماذج مْن سيرتهم.
– لما كان الصحابة رضي الله عنهم يعذبون ويفُتنون في صدر الإسلام بمكة كان يمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بالصبر ومنهم آل ياسر فإذا مر بهم قال: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة. صححه الألباني في تخريج فقه السيرة ص:103.
– عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج؛ فقال: “اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم؛ سمعته من نبيكم صلى الله عليه و سلم”. (رواه البخاري 7068).
قال النعمان بن بشير: “إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتن فأعدوا للبلاء صبراً”.
وعندما واجه إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الفتنة العمياء بخلق القرآن في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق وما أصابه من الحبس الطويل والضرب الشديد فصبر وتمسك بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم حتى نصره الله وفرَّج عنه الغمة.
‌ج- العدل والإنصاف في الأمر كله
فإن من أقوى أسباب الاختلاف بين العباد وخصوصاً زمن الفتن فقدان العدل والإنصاف، ولو جاهد المسلم نفسه لتحقيق صفة العدل مع نفسه ومع الناس فإن كثيراً من المشاكل التي تحصل بين المسلمين سواء منها الفردية أو الجماعية ستزول وتحل بإذن الله تعالى.
يقول الله تعالى : (وإذا قلتم فاعدلوا)؛ ويقول تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
فلا بد من العدل في الأقوال والأعمال وخصوصاً زمن الفتن، بمعنى أن يأتي الإِنسان بالأمور الحسنة والأمور السيئة ثم يوازن بينهما وبعد ذلك يحكم، لأن في الموازنة عصمة للمسلم من أن ينسب للشرع ما ليس موافقاً لما أمر الله به.
فما أحوجنا إلى هذه الخصال العلية والأخلاق السنية خاصة عند حلول الفتن والشبهات حيث تذهل أكثر النفوس عن المنقول، وتضطرب الأفئدة في خصوص المعقول، فيعجز أولو النهى والألباب عن دفع أصحاب الطيش والعجلة والذهول.
قال ابن بطة العكبري رحمه الله: “إن هذه الفتن والأهواء قد فضحت خلقا كثيرا، وكشفت أستارهم عن أصول قبيحة، فإن أصون الناس لنفسه أحفظهم للسانه، وأشغلهم بدينه، وأتركهم لما لا يعنيه” الإبانة الكبرى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *