القضاء ينصف الجمعية القائمة على دار القرآن بالقنيطرة فهل هي بداية تصحيح خطأ قرارات الإغلاق؟ إبراهيم بيدون

قررت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة رفض طلب حل جمعية السبيل للثقافة القائمة على دار القرآن، والذي تقدم به باشا المدينة بحجة أن للجمعية علاقة بالدكتور المغراوي صاحب فتوى زواج الصغيرة الذي أدانه المجلس العلمي الأعلى في بيان سياسي لا علمي، وكان من نتائجه إغلاق قرابة سبعين دارا للقرآن منها دار القرآن التابعة لجمعية السبيل للثقافة، حيث لم تكتف سلطات العمالة بهذا القرار، بل تعدته إلى المطالبة بحل الجمعية في مخالفة تامة لقانون الحريات العامة..
وقد جاء في المقال الافتتاحي للدعوى المرفوعة ضد جمعية السبيل أنه “بناء على ما قامت به مصالح الولاية من بحث حول الجمعية المذكورة، والتي تتوفر على دار للقرآن الموالية للحركة السلفية المغراوية، والتي يتزعمها محمد بن عبد الرحمن المغراوي”، غير أن رئيسها عبد العزيز الفقيهي قد أعلن منذ إغلاق دار القرآن عن استقلال جمعيته عن جمعية الدكتور المغراوي.
وقد رفضت المحكمة هذا الطلب لأنه من حيث الشكل استند على فرضية علاقة هذه الجمعية بشخص الدكتور المغراوي، وفي هذه الحالة سيكون مصير مثل هذا الطلب “عدم القبول من الناحية الشكلية” خاصة وأن هذه الجمعية تنفي علاقتها بالمغراوي.
“ثم إن الحل أو الإغلاق يكون حسب المادة 7 من قانون تأسيس الجمعيات “بمبادرة من النيابة العامة أو من كل من يعنيه الأمر”، والذي يعنيه الأمر محليا ليس الباشا ولكن الجهات الإدارية التي تضع لديها الجمعية ملفها.
ولا يكون الحل بناء على الفصل 3 إلا إذا تبين أن هذه الجمعيات أسست للمس بالدين الإسلامي أو التراب الوطني أو النظام الملكي أو تدعو إلى التمييز والعنصرية” حسب المحامي عبد المالك زعزاع.
وجمعية السبيل وغيرها من الجمعيات القرآنية التي تم تعطيل أنشطتها في ربوع المغرب، لا تمس أيا من الأمور التي ذكرت في الفصل الثالث، بل هي جمعيات إنما أسست للدفاع عن الدين والتراب الوطني، وتدين بالولاء والطاعة لولي الأمر، ولا تدعو إلى أعمال عنصرية..، بل قد عرفت بنكيرها الشديد للأعمال الإرهابية التي شهدها المغرب سنة 2003 وسنة 2007..
ولا زالت دار القرآن التابعة لجمعية السبيل الثقافية موصدة الأبواب هي وأزيد من ستين دارا للقرآن أخرى في شتى مدن المغرب تنتظر من المسئولين أن يتراجعوا عن قرار إغلاقها بتهمة علاقتها بالشيخ محمد المغراوي، وهي التهمة التي رفضها القضاء القنيطري بعد البحث والتحري، فمتى يدرك المسئولون عن قرار الإغلاق أن التهمة الموجهة لهذه الدور غير مقنعة حتى عند الناس الذين اعتبروا ذلك القرار تعديا على حرية الآلاف من المواطنين المغاربة؟
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية أقبلت في العشر الأواخر من رمضان المبارك 1429 للهجرة في تحد سافر لمشاعر آلاف المواطنين المغاربة الذين كانوا يستفيدون من أنشطة الجمعيات والدور القرآنية، على إغلاق هذه الدور بحجة ارتباطها بالشيخ محمد المغراوي رغم الاستقلالية الكاملة التي تتمتع بها هذه الجمعيات عن جمعيته جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش..
فقد كان يستفيد من هذه الدور القرآنية جميع شرائح المجتمع:
كان يستفيد منها الطفل وهو يحلم باستكمال حَملِ كتاب الله بين جنبي صدره، يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، فجاء قرار الإغلاق فاغتال حلمه..
وكانت تستفيد منها الفتاة التي أحبت الطهر والعفاف وتعلم الأدب والحياء مع حفظ كلام الحق سبحانه، فجاء القرار فأدمع عينيها بدمع الأسى والحزن..
وكان يستفيد منها الشاب الذي ترك فضاءات اللهو والانحراف، ليجد ويجتهد في حفظ القرآن، فهو يحب أن يكون من أهل القرآن الذين يشار إليهم بالبنان..
وكانت تستفيد منها المرأة التي علمت أن فلاحها ونجاحها في طاعة ربها واتباع هدي نبيها صلى الله عليه وسلم، وأن أسوتها من النساء خديجة وعائشة وفاطمة رضي الله عنهن..
وكانت تستفيد منها المتعلمة طلبا لزيادة العلم، والأمية رغبة منها في رفع الجهل عنها وعن أبنائها..
وكان يستفيد منها الرجل، فيتعلم فيها دينه، ويرسل إليها أبناءه وهو في راحة من تلبسهم بأي فكر ضال، أو خلق سيء، أو ممارسة شاذة، حيث الحصانة من شارع مزقته الأخلاق السيئة، وبعثرته الظواهر المنحرفة..
بل كان الوطن يستفيد منها، لأنها تدافع عن قيمه، وتخدم هويته، وتبني لبناته، فتشيد جيلا يدين لله بالولاء وللأرض بالحفظ والصون، ولولي الأمر بالطاعة..
كان المغرب يستفيد منها لأنها تعبر عن حقيقة قيمه الإسلامية، وعن مناهجه الدينية، وعن أئمته وعلمائه الذين قضوا نحبهم في سبيل عز المغرب بالإسلام..
كان المغرب يستفيد منها لأنها تصد عنه كل فكر دخيل، وتهاجم كل عدو وعميل، وتحافظ عن إسلامه النبيل، فلا يصير أناسه في بحر الغي بين تائه وقتيل..
إن أولئك الآلاف من شرائح المجتمع الذين منعتهم قرارات الإغلاق من ممارسة أنشطتهم الدينية، ينتظرون أن تصحح السلطات خطأ إغلاق دور القرآن، وهي التي أقرتهم على أنشطتها ردها من الزمن لصلاح منهجهم، لولا أصحاب الفكر العلماني ودعاة التحرر النسوي، الذين ألبوا الدولة على أصحاب المنهج السلفي ومن ورائهم منظمات أجنبية ترى في عمل هذه الدور اجتثاثا لمشاريعها العلمانية التي تريد من ورائها طمس القيم والأخلاق الإسلامية، ومسخ الهوية الدينية للمغاربة موهمة أن هذه الدور تروج لفكر التطرف والغلو..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *