خواطر وجدانية حول مشروع المواجهة عبد المغيث موحد

إن قضية مواجهة الهجمة التنصيرية والزحف الرافضي لا ينبغي أن تأخذ طابع حملة تحركها دواليب سياسية، ثم بعد ردهة من الزمن تأمر المصلحة الدنيوية بإغلاق ملف المواجهة وتعليق مشروع المناهضة، ثم يعود الحال إلى ما كان عليه سلفا.
فمنابرنا حينما نضحت بالرد وبإشارة من ولاية السياسي فإن الأمر قد خرجه أهل الغيرة على غالب حسن الظن أنه من باب سنة الدفع التي يجريها الله إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل، وما دام الأمر كذلك والقضية قضية عقيدة ومنهج، فإننا كمسلمين نعتقد أن أي تراجع عن خندق المواجهة سيليه ويعقبه كر من الذين آنسوا منا غفوة دفعنا ثمنها من دمائنا وكرامتنا وعقيدتنا قديما، وهم اليوم يأملون حالة تكرارها إعادة إحياء تراث أسلافهم مجوسا كانوا أو صليبين، ثم إننا كمسلمين مغاربة لا نريد أن نستأسد خطورة هذا الكر، وتكون غايتنا من ذلك خلق محاولة حثيثة لصنع آليات مواجهة جديدة، يكون من أهم مقوماتها الاستغناء عن مفهوم الأمة وتكريس دور القطرية الدينية والإسلام الجغرافي، ومن تم إصباغ عوامل القدرة واستظهار القوة المذهبية في جو استقلالي قصي عن منابع الرسالة المحمدية حيث مشرق الشمس ومهبط الوحي عوامل، قادرة على التصدي لكل سهم مارق وسنان كاسر ولسان حاسر يريد أن ينال ليس من ديننا فقط بل من خلطتنا العجيبة الغريبة خلطة (السالك ومالك والأشعري) تنظيرا وتقديرا وأضرحتنا وأقطاب طرائقنا وشيوخ زوايانا تأصيلا وتفصيلا.
إننا والأمر كذلك -والله أعلم بالسرائر- نسعى من خلال خلق الخصم ابتداءً ومواجهته باختياراتنا العقدية الجديدة انتهاءً إلى ترويض وليدنا الديني الفتي والنفخ في رخاوة عوده الشعائري من خلال تهيئ مناخ المواجهة وخلق جو المدافعة للأعداء التقليديين لدولة الإسلام والمسلمين فيتسنى لنموذجنا الديني نيل الشهرة المطلوبة كانموذج فريد مستقل له من عوامل القوة ما يجعله ندا للإسلام “الشرقي”، بل ومناوئا لكل دخيل وهابي ومشوش حنبلي من شأنه أن يزعزع عقيدة المغاربة وأمنهم الروحي…
وليس الكلام هنا مجرد إلقاء على العواهن أو رجما من رجوم الغيب، فالمتتبع لخطبة جمعة أسبوع المواجهة الأول سمع بأم أذنه كيف تكلم الخطيب من على منبره، وكيف جاءت خطبة الوزارة الوصية حافلة وحريصة على تكرار مصطلح أهل السنة والجماعة كآليةِ مواجهةٍ ومقوم مدافعة، تكرار جاء عمدا محترِما قواعد الإجمال مجانبا كل تفصيل لكن الجمعة الموالية من أسبوع المواجهة الثاني سيلاحظ المريد لفريضة الجمعة، كيف أن خطبة الوزارة قد تجاوزت الإجمال إلى التفصيل وانتقلت من التلميح إلى محض التصريح الذي يعقد لمفهوم السنة واصطلاح الجماعة بكونه إسلام الأشعري وإيمان مالك وإحسان السالك، ذلك دين المغاربة وما دونه فهو الدخيل المشوش الذي تأبط علماء الجغرافيا مشروع دحره ونحره بالمكتوب والمسموع والمرئي، حتى بلغ الأمر مع هذا التعاطي الاستئصالي المقصود أن يعتقد المقلد المتبع والعامي المستمع أن المذاهب الثلاثة هي خارجة دائرة الفضل، بل إنها في مواجهة مع اختياراتنا المذهبية مواجهة لا تقل خطورة وتطرفا عن الرفض والتنصير، من حيث القدرة على زعزعة الأمن الروحي للمغاربة، والنيل من وسطية إسلامهم المدني المعتدل.
فلا غرابة بعد هذا إذا سمعنا العلماني واليساري واللاديني يفتخر بمرجعيتنا المالكية، بل ويتهارش بعد هذا الاعتزاز، على النصوص قصد اختزالها وإعادة صياغتها، وتجديد ما أصبح بزعمه عبئا أمام مستجدات الحياة المعاصرة، وما هو منها حائل دون حصول الأخوة مع الآخر، وما هو منها يدعو إلى العنف والإساءة إلى شعب الله المختار، وهو مع وظيفته هذه يفتقد الصفة، ولذلك تجده لا يتوانى عن شد الرحال لنيل صك الغفران وأخذ صفة عباد الرحمن من مشايخ الطرقية التي صار لها نسب وقرابة دم مع إمام دار الهجرة، وحري بنا مع هذا التعاطي ن نعرج قاصدين متعمدين على ذكر أن إمامنا مالك كان إمام أهل المدينة المنورة ذلك أنه مع سيطرة هذه المشتبهات وسطوتها ربما ظن العوام وجمهور المقلدين أن مالك بن أنس هو من مواليد مدينة بركان حاضنة قرية مداغ التي ربما أصبحت قرية “حراما”!
وحاصل القول إننا ومهما يكن، لن نعمد إلى اتهام من هُم اليوم يسعون من داخل المؤسسة الوصية -أو من هم تابعون لوصاياها العشر مجردين نياتهم لهذه المواجهة- في مرادهم ومقاصدهم ومدى حرصهم على حمى التدين، ولكن وبدافع الغيرة والحرص أيضا على حمى التدين وواجب النصيحة لأنفسنا والذكرى لغيرنا، ننبه على واجب التصدي لهذه الخطط الموضوعة بمكر ومكيدة وسبق وإصرار، والمنبعثة من جحور نمل أبيض لا يرقب في بنياننا إلا ولا ذمة مراده تمزيقنا إلى فتات على قدر طاقة حمله أولا، ثم التهامنا بنهم وسادية ثانيا.
لذا، فمن أوجب الواجبات التنصيص على أن من أشرط شروط المواجهة اعتبار الأمر مشروع أمة ورهان حضارة تجمعها تأسيسا وحدة الدين وصفاء العقيدة واللسان العربي المبين، ربُّها واحد في السماء، ونبيها واحد، وتراث أسلافها واحد، وذلك حبل الله الذي أمرنا أن نعتصم به جميعا، وذلك هو مقام “الكافة” الذي أمرنا ربنا بتحقيقه حالة الدفع والطلب، وذلك هو الحق الذي نملك زمامه دون سائر الناس، والمطالبين بتبليغه لكافة الناس فضلا عن الدفاع عن شعائره وحماية شريعته الغراء. غير أنه حق يحتاج إلى بيئة منيبة مخبتة لا مكان فيها للخرافات والأباطيل، بيئة ينعدم فيها الظلم ويسودها العدل وتكون فيها تراتبية التفضيل مبناها على الخلق والتقوى…وهو حق لا يقبل المساومة ولا مصاهرة الباطل، كما لا يقبل أنصاف الحلول إيمانا ببعضه، وتحجيرا لواسع كله، وهو حق يحتاج من أصحابه إيمانا وعلما وجرأة وصبرا، ضابط هذا كله اللين والحكمة تبليغا وطلبا، والحزم والغلظة حماية ومدافعة، ومن الله التوفيق وله الحسب وعليه التكلان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *