آثار انحراف أخلاق المرأة على المجتمع

من المقرر في الشريعة الغراء، ومن المعلوم عند العلماء أن مساوئ الأخلاق لها آثار وخيمة على الفرد وتمتد إلى الأمة والمجتمع في الأساس الديني، والبنية الاقتصادية، والترابط الاجتماعي.. إلى غير ذلك، لكن انغماس المرأة المسلمة خاصة في مستنقع ذلك له الأمر المرير، والشر المستطير، ذلك لأن “المرأة إذا تعطلت عطلت الرجل، وإذا تأخرت أخرته”1، وإذا قضي على المرأة بالمنكرات، قضت على الرجل بالانحرافات، فكانت النكبة بل النكبات.

فلما كانت آدب الظواهر عنوان آداب البواطن، وحركات الجوارح ثمرات الخواطر، والأعمال نتيجة الأخلاق، كان الواجب على المسلمة التخلي عن الأخلاق القبيحة الهابطة، واجتناب الخلال الذميمة السافلة، فإن “الأخلاق السيئة سموم قاتلة، تنخرط بصاحبها في سلك الشيطان”2، فكان الواجب التحذير منها بل التنفير والهجران، فهي الداء بل أدوأ الداء كما قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ رحمه الله: “ألا أُخْبِرُكُمْ بِأَدْوَأِ الدَّاءِ؟ قَالُوا بَلَى، قَالَ: الْخُلُقُ الدَّنِيُّ وَاللِّسَانُ الْبَذِيُّ”3، فالسَّيِّئُة الْخُلُقِ من النساء النَّاسُ مِنْهُا فِي بَلاءٍ ، وَهُي مِنْ نَفْسِهِا فِي عَنَاءٍ.
ويمكن تعريف المساوئ الخلقية بأنها: “كل صفة قبيحة قولية أو فعلية أو اعتقادية”.
وقد تعددت آراء العلماء في تعيين أصول الأخلاق الذميمة من ذلك ما قرره الإمام ابن حزم رحمه الله أن أصول المساوئ الخلقية التي تتركب منها كل رذيلة هي: “الجور والجهل والجبن والشح”4.
ويرى الإمام ابن القيم رحمه الله5 أنها تقوم على أربعة أمور كذلك لكنها: “الجهل، والظلم، والشهوات، والغضب”.
والمتأمل يظهر له أن جماع ذلك بعد الجهل: الشهوة والغضب، فكوني أختي الكريمة من ذلك على حذر شديد، حتى توفقي لكل ما هو سديد.
أما الجهل فهو وراء ارتكاب الانحرافات الخلقية، ذلك لأن الجاهلة ترى من خلال جهلها الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، والكمال نقصا، والنقص كمالا.
وكما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “..ولا ريب أن الجهل أصل كل فساد، وكل ضرر يلحق العبد في دنياه وأخراه فهو نتيجة الجهل”6.
فالجاهلة من النسوة بمرتبة الأخلاق الحسنة ومكانتها تهجرها إلى أضدادها لاستثقالها لها، فتتلذذ بالرذيلة السلوكية لخفتها عليها وتزيين الشيطان لها.
فمن كان جاهلا استسهل السهل لسهولته، وإن كان فيه هلكته، واستثقل الثقيل لثقله على نفسه وإن كان فيه فوزه ونجاته، ومن ثم فأعظم ما تستأصل به المرأة مساوئ الأخلاق: الفقه والعلم بالشريعة، وإلى هذا المعنى أشار النبي عليه الصلاة والسلام لما قال: “خيركم إسلاما أحاسنكم أخلاقا إذا فقهوا”7.
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: “منفعة الْعِلْم في استعمال الفضائل عظيمة وهو أنه يعلم حسن الفضائل فيأتيها، ويعلم قبح الرذائل فيجتنبها، ويسمع الثناء الحسن فيرغب في مثله، والثناء الرديء فينفر منه، فعلى هذه المقدمات يجب أن يكون للعلم حصة في كل فضيلة، وللجهل حصة في كل رذيلة”8.
ثم بسبب الجهالة تطلب الشهوة -إذا لم تلجم- فعل الرذيلة، ويدفع الغضب -إذا لم يحكم- إلى خلاف الفضيلة، وعليه سميت الشهوة بـ”القوة الطلبية” والغضب بـ”القوة الدافعة”.
قال الليث عن مجاهد رحمهما الله: “الشهوة والغضب مبدأ السيئات”9.
فالشهوة تأتي منها المعاصي الطلبية: كالزنا، والغش، والتعالي.. ونحو ذلك، فاحذري أخيتي فإن التي أرضت نفسها بالشهوات، فقد غرست لنفسها شجر الحسرات والندامات، ومن عظيم ما يسلمك من ذلك الفرار من براثنها إلى طاعة رب الأرض والسماوات.
وأما الغضب فتأتي منه المعاصي الدفاعية: كالضرب، والقتل، واللعن، والظلم..ونحو ذلك، وهذا عند مجاوزة الحد كما قال ابن القيم رحمه الله:” فللغضب حد: هو الشجاعة المحمودة والأنفة من الرذائل والنقائص، وهذا كماله، فإذا جاوز حده تعدى صاحبه وجار، وإن نقص عنه جبن ولم يأنف من الرذائل ” 10.
وهذه القوة الدافعة لها أسباب وجماعها: الزهو، والعجب، والمزح، والمماراة، والمضادة، والغدر، وشدة الحرص على فضول المال والجاه، فالواجب عليك أختي الكريمة اجتنابها.
وليعلم أن القوة الحقيقية هي التحكم في النفس عند الغضب، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”11، وتذكري أختاه أن الشيطان هو الدافع لحصول موجب الغضب، وهو المعين على ذلك، ويؤثر في هذا المقام أن رجلا أسمع عمر بن عبد العزيز رحمه الله كلاما، فقال عمر:” أردت أن يستفزني الشيطان لعزة السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا، انصرف رحمك الله”.
فعليك أختي المسلمة البعد عن الأخلاق السيئة، واحرصي على إتمام الأخلاق الحسنة وإشاعتها فإن ذلك من مقاصد الدعوة إلى الله تعالى، فقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن ذلك من أهداف وغايات دعوته فقال: “إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق”12.
وهذا لأن لحسن الخلق أثرا بالغا في بناء المجتمعات وصفاء قلوب أهلها، ووجه ذلك أن أي مجتمع لا يستطيع أفراده أن يعيشوا سعداء ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة، فمتى فقدت تفكك أفراد المجتمع وتصارعوا، وأكل القوي منهم الضعيف، وفشا الظلم بينهم بشتى صوره وأشكاله، وحل بهم الانهيار والدمار، ومكانة دور المرأة في ذلك كله معلوم كما سبقت الإشارة إليه.
وصدق شوقي إذ يقول:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم…. فأقم عليهم مأثما وعويلا
كما أن الخلق الحسن من أسباب تعمير الديار وزيادة الأعمار ومكانة النسوة في هذا المقام لا تخفى فعن عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمرن الديار، ويزدن في الأعمار” 13.
ومما يجلي ذلك ويبينه أن نعلم أن خلق الإسلام الحياء كما في الحديث عن أنس وابن عباس رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه: “إن لكل دين خلقا، وإن خلق الإسلام الحياء” 14.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أساس الأخلاق ومردها إلى خلق الحياء، والمرأة أولى من غيرها تحليا به.
وإذا فقد الناس هذا الخلق العظيم فشت فيهم الفضائح، وعمت القبائح، فتنهار الحضارات، ويحصل الدمار في المجتمعات.
ففي الحديث عن عبد الله بن مسعود قال عليه الصلاة والسلام: “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت” رواه البخاري.
فإن “من لا يستحي لا يبالي من العار والمعاصي ما يأتي” 15، فاحذري أن تكون أختاه كذلك.
……………………………….
1. آثار محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله 4/264.
2. مختصر منهاج القاصدين.
3. أدب الدنيا والدين 199.
4. في مداواة النفوس 590.
5. المدارج 2/321.
6. مفتاح دار السعادة 1/ 87.
7. صحيح الجامع.
8. مداواة النفوس 25.
9. الإيمان لابن تيمية 29.
10. الفوائد 156.
11. متفق عليه.
12. صحيح الجامع.
13. صحيح الجامع.
14. صحيح الجامع.
15. التمهيد 9/236

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *