حب الرئاسة داء “من طلب الرئاسة وقع في الدياسة”

الحق أجل ما يطلب، وأعز ما يحب، والباطل أعظم ما يجتنب، وأكبر ما عنه يرغب..”فإن الحق محبوب في الفطرة، وهو أحب إليها وأجل فيها، وألذ عندها من الباطل الذي لا حقيقة له، فإن الفطرة لا تحب ذلك”.

والواجب على العبد: أن يلزم الفطرة، ويحذر الأسباب التي تصده عن الحق وتصرفه عنه، وإذا ما صرفه عنه صارف، عاد إلى الحق ولزمه، ومن أسباب ذلك معرفة ما يصرف عن حقائقه، ويبعد عن أهله ودعاته.
ومن عظيم ذلك محبة الجاه والشرف وعلوه الذي يحمل على الاغترار بستر الله وحلمه، ويتزايد هذا الداء عند أصحابه بحبهم المدح والثناء، وعيشهم في فراغ وهباء، ولذا قال عبد الحميد الميموني رحمه الله: “ربما رأيت الحجاج بن أرطأة يضع يده على رأسه، ويقول: قتلني حب الشرف”.
وحقيقة هذا الافتتان، استقرار محبة الرئاسة في الجنان، كما قال بعض أهل العرفان: “المحبة للرئاسة، والميل إلى الدنيا والمفاخرة والمباهاة بها، والتشاغل بما فيه اللذة وما يدعو إلى الشهرة دون ما توجبه الحجة، ويقضي به العقل والمعرفة، فعلى نحو هذا من الأسباب تكون الآفة الصارفة والموجبة منه”.
وأعظم ذلك: الرئاسة في الدعوة والعلم، لأن أثرها السلبي على النفوس أقوى وأتم.
فكم حصل من جراء حب الرئاسة في ذلك من فرقة بين الإخوان، وتباغض بين الأحبة والخلان، وانحراف عن الاستنارة بسبب ترك الاستشارة، وانصراف عن الحق الأبلج، وعمل بالباطل الذي هو لجلج، وكم حصل بذلك من تعال واستطالة، وكم كشفت به من رعونات للنفس وبطالة.
فقد صاحبها واجب التعاون والتآزر، وروح المودة والتشاور، وظهر عليه شين الحسد والتفاخر، وعيب البغي والتناحر.
فيا هذا اتهم نفسك لتنجو من المذلة، فإن “من طلب الرياسة، وقع في الدياسة1″، واعلم أنه “ما من أحد أحب الرئاسة إلا حسد، وبغى، وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير”.
حب الرئاسة أطغى من على الأرض حتى بغى بعضهم فيها على بعض
واعلم أن “طالب الرئاسة ولو بالباطل ترضيه الكلمة التي فيها تعظيمه، وتغضبه الكلمة التي فيها ذمه وإن كانت حقا”.
فاحذر إذن أن يستحكم فيك هذا الداء فـ “والله ما هلك من هلك إلا بحب الرئاسة”، ولا خلاص منه إلا بالصدق وهضم النفس والمجاهدة والإخلاص و”والله الذي لا إله إلا هو، لإزالة الجبال الرواسي أيسر من إزالة الرئاسة”.
ولذا قال الشاطبي رحمه الله: “..يعسر خروج حب الرئاسة من القلب إذا انفرد، حتى قالوا: حب الرئاسة آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين فكيف إذا انضاف إليه من الهوى من أصل وانضاف إلى هذين الأمرين دليل في ظنه شرعي على صحة ما ذهب إليه؟ فتمكن الهوى من القلب تمكنا لا يمكن في العادة الانفكاك عنه، وجرى منه مجرى الكلب من صاحبه..”.
فاحمل نفسك عبد الله على تخليتها من حب الرئاسة تكن من الأكياس واعمل على تحليتها بالتواضع يرتفع شأنك عند للناس.
قال أحد السلف: “من طلب الرئاسة ناطحته الكباش ومن رضي بأن يكون ذنبا أبى الله إلا أن يجعله رأسا”.
وليعلم المؤمن أن الرئاسة على الحقيقة: هي تقوى الله تعالى ولذا لما قيل للإمام أحمد رحمه الله: إن معروفا الكرخي قليل العلم، قال: وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف.
واعلم أن حب الرئاسة من الدنيا بلا شك، لأن سببها العجب، وصدق من قال: “العجب يهدم المحاسن”، و”وإعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله” و”لا ترى المعجب إلا طالبا للرئاسة”، “ومن طلب الرئاسة قبل وقتها عاش في ذل”، وإذا كنت تحب الرئاسة فتهيأ للنطاح.
وقد قيل تنفيرا من ذلك:
الكلب أكرم عشرة وهو النهاية في الخساسة
ممن تعرض للريا سة قبل إبان الرياسة
وقال آخر:
حب الرئاسة داء يحلق الدنيا ويجعل الحق حربا للمحبينا
يفري الحلاقيم والأرحام يقطعها فلا مروءة تبقى ولا دينا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. يقال: داس فلانا دياسة: أذله أووطئه برجله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *