تحول موقف الدولة من السلفية (بين السلفية و”السلفية الجهادية”) حمّاد القباج

في العدد (959) من يومية المساء؛ ذكر المحلل السياسي محمد ضريف في معرض بيانه الأسباب الكامنة وراء تحول موقف الدولة من “الاتجاه المعتدل داخل السلفية المغربية” ما يلي:

“هناك سببان أساسيان:
يتعلق السبب الأول بالاعتقاد السائد لدى صانعي القرار بأن “السلفية التقليدية” الموسومة بالاعتدال تشكل معبرا نحو “السلفية الجهادية” وقد استند إلى حالات انتقال قليلة لتعميم هذا الاعتقاد كحالة “يوسف الصولي” الذي كان منتميا إلى السلفية التقليدية قبل أن يتحول إلى السلفية الجهادية ويفجر نفسه بعد ذلك في العراق”اهـ.
ولي على هذا السبب ملاحظات:
1- اعتبر الأستاذ ضريف الزعم بأن السلفية (التقليدية) معبر نحو (السلفية الجهادية) مجرد اعتقاد سائد.
وهذا في نظري وصف دقيق يوحي بعدم صحة ذلك الزعم، لما عرف عن الدعوة السلفية -تنظيرا وممارسة- من موقفها الشرعي الحازم من الفكر التكفيري وإفرازاته.
2- بيَّن أن هذا الاعتقاد تأسس على منهجية غير منطقية؛ وهي الاستناد إلى حالات قليلة وتعميمها؛ ومعلوم أن النادر لا حكم له، وأن تعميم الخاص مغالطة جدلية تتنافى مع العدل وتؤدي إلى تغيير الحقائق.
3- التمثيل لتلك الحالات القليلة بالأستاذ يوسف الصولي رحمه الله لا يصح لسببين:
الأول: أن الأستاذ الصولي من طلبة العلم السلفيين الحريصين على ضوابط المنهاج السلفي في الدعوة والإصلاح، وكان معروفا بانتقاده الشديد للتوجه التكفيري الذي تسمى بعض أصحابه بالسلفية الجهادية، وهذا معروف في دروسه المسجلة وغيرها، كما عرف بمناظراته القوية لبعض أصحاب ذلك التوجه.
الثاني: أن غزو العراق كان ظلما وعدوانا لا يستند إلى أية مشروعية، وهو ما تأكد حين عرف العالم أن ما تذرع به بوش من وجود أسلحة دمار شامل كان كذبة مبيتة عند الذين خططوا لذلك الغزو الغاشم.
أما الموقف العملي الذي يمكن أن يُتخذ في تلك النازلة فوقع فيه اختلاف ونقاش، وقد بدا لبعض العلماء وطلبة العلم أن الموقف الشرعي هو القتال ومقاومة الاحتلال، وأن هذا من الجهاد الشرعي المطلوب، ورأى علماء آخرون أن شروط الجهاد لم تتحقق؛ لأن المعركة محسومة النتائج سلفا، وقوة العدو فوق طاقة مقاتله بكثير، وعمالة بعض الخونة كانت بادية الملامح، بالإضافة إلى عدم قيام راية شرعية واضحة تُرَشّد القتال، وعدم توفر عدة كافية ولو بأدنى المستويات، وغياب إذْن ولي الأمر المبايَع، .. كل ذلك لم يتحقق، مما يعني عدم مشروعية السفر للقتال.
فحث المسلمين على الجهاد في تلك الظروف إنما هو زج بهم في الهلاك من غير مصلحة متيقنة، وقد نص أهل العلم على أن ظنية المصلحة في مثل هذا الحال لا تكفي.
فذانك رأيان في تلك النازلة الأليمة، والمجتهد المؤهل مأجور أصاب أم أخطأ، وكون بعض طلبة العلم يأخذ بالرأي الأول، -وإن كان خطأ- لا يعني بالضرورة أنه صار تكفيريا أو انتقل من السلفية إلى ما يسمى بالسلفية الجهادية.
فإن هذه الأخيرة بدعة لا يعرفها العلماء ولا تعرفها الدعوة، وخلاصة مضمونها تحريف معنى الجهاد، ووضعه في إطار منحرف، وزج بمعناه النبيل ومقاصده الجليلة في أوحال الممارسات التخريبية المتهورة التي لا تصدر إلا عن مغرض أو جاهل يحسب أنه يحسن صنعا.
وبتعبير آخر: الجهاد شعيرة عظيمة جعلها النبي صلى الله عليه وسلم ذروة سنام الدين، وهو عز الأمة، ومناط شرفها إذا مورس بشروطه الشرعية وأحكامه المرعية.
وأما ما يفعله التكفيريون وأشباههم من تفجير وترويع وتقتيل فهو فساد عريض لا يقل شرا عن الفساد الذي زعموا أنهم يحاربونه، وحاشا أن يسمى هذا جهادا، أو أن ينسب إلى الإسلام والسلفية.
.. فالجزم بأن الأستاذ الصولي تحول من السلفية إلى ما يسمى بالسلفية الجهادية خطأ ظاهر، كما أن الجزم بأنه فجر نفسه يجانب الصواب ويفتقد إلى الدليل.
والحقيقة أن دور القرآن السلفية في المغرب، لم يعرف عن واحد من أساتذتها أو مؤطريها أو روادها أنه تحول من السلفية إلى التكفير، وأن هذه الحالات منعدمة وليست فقط قليلة، ومن جاءها متأثرا بفكر التكفير ناقشته وبينت خطأه، فإن تاب وإلا تبرأت منه، والعارف بأصول وأدبيات الدعوة السلفية وبتاريخها وواقعها يعلم أنها سد علمي منيع أمام فكر التكفير والتخريب والترويع، وأن دورها في صيانة المجتمع منه لا يقل أهمية عن باقي الأدوار.
وحتى لو قدر أن أحد روادها انحرف؛ فإن هذا لا يدل على خلل في منهجها أو أنها بيئة تنبت التطرف أو الإرهاب؛ وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وما أرسلناك عليهم حفيظا}…

وللحديث بقية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *