بدا واضحا من تداعيات قضيتها أن المسماة “أمينتو حيضر” لا تعدو كونها دمية تحركها أنامل دعاة الفتنة المتربصين بهذا البلد الدوائر، مستغلين مداخل المجال الحقوقي الذي يشكل أرضية خصبة لكل داعية فتنة وفرقة.
إن هذه المرأة ومن يحركها يدركون جيدا أن محاولاتهم للنيل من الوحدة المغربية الترابية مطلب بعيد المنال، ولكنهم مع ذلك يعرفون أنهم لن يعدموا قدرة على التشويش، ويعتقدون ضرورة التمهيد بمثل هذه المناورات المكشوفة من أجل كسر الحاجز النفسي عند بعض المغاربة بإعطاء القدوة السيئة المشجعة على تنامي الفكر الانفصالي المشؤوم؛ فليس مراد القوم المتآمرين تحقيق مكاسب سياسية، وإنما قصدهم بث التشكيك وتعريض القناعات للاهتزاز، إعدادا لطائفة من المغاربة يرجى منهم الانخراط المستقبلي في ذلك العدوان المبين.
وهنا لا بد من وقفات شرعية نستجلي من خلالها حقائق مهمة في أفق مواجهة هذا الكيد:
الوقفة الأولى:
ثقافة حقوق الإنسان وفق التصور الغربي الذي يسعى أصحابه لعولمته؛ تحمل في طياتها معاول خطيرة تهدد الثوابت، ولذلك ينبغي الحذر الشديد من جعلها مرجعية مساوية للشريعة الإسلامية الضامنة الفعلية لثوابت الأمة.
فالبوابة التي حاولت هذه المرأة الدخول من خلالها هي بوابة العمل الحقوقي، ولذلك تجتهد الديبلوماسية المغربية في الإقناع بأن عملها لم يعد من قبيل العمل الحقوقي، بل صار تنفيذا لمخططات أعداء الوحدة الترابية.
بل إن هذه العصا لوح بها أبناء جلدتنا أنفسهم؛ من أمثال علي أنوزلا، مدير “الجريدة الأولى” الذي استنكر موقف المغرب من “حيضر”، التي تم طردها من المغرب ضدا على كل المواثيق والأعراف الدولية، وذهب إلى حد تشبيه المغرب بإسرائيل التي «تعتبر الدولة الوحيدة التي لازالت تلجأ إلى سياسة الإبعاد والطرد».
وكذا زميله، بوبكر الجامعي الذي ذهب إلى حد اعتبار ما وقع لأمينتو من طرف المغرب غير قانوني وغير أخلاقي، واصفا إياه بالغبي.
ولا ينبغي أن نختلف في أن حقوق الإنسان صارت عصا تهديد تشهرها الدول المهيمنة في وجه من يخالفها ويسير على منهاج غير الذي تريد؛ وشواهد هذه الحقيقة كثيرة: تصفى حسابات وتنفذ مخططات، ويدعم الانفصاليون عن دين الأمة وعن شريعتها، وتمنح لهم الجوائز ويلمعون إعلاميا، باسم “خدمة حقوق الإنسان”.
إن انخراط المغرب في مشروع ثقافة حقوق الإنسان ينبغي أن يكون حكيما ومقيدا بالضوابط الشرعية، والحذر كل الحذر من الانسلاخ من الهوية والارتماء المطلق في حضن عروس سرعان ما تتحول إلى مفترس ضارٍ.
الوقفة الثانية:
لم يزل المغرب معروفا تاريخا وجغرافية ببسط سيادته على الجنوب الذي كان يشمل موريتانيا إلى عهد قريب:
قال المؤرخ عبد الكريم الفيلالي في تاريخه (التاريخ السياسي الكبير 1/125): “يقع المغرب الأقصى في الشمال الغربي للقارة بين خطي عرض درجة غربا وتبلغ مساحته بعد استرجاع الصحراء المغربية من يد الإسبان سنة 1395هـ 1975م حوالي (516، 802 ك. م.) ويحد شمالا بالأبيض المتوسط حتى بوغاز جبل طارق وطنجة، وغربا المحيط الأطلسي، وشرقا وادي كيس والمكان المعروف “زبوجت مولاي إسماعيل” قرب الأصنام، وجنوبا الصحراء الكبرى”اهـ.
قال: “وهي الحدود المتفق عليها مع الأتراك ثم الفرنسيين، راجع الاتفاق والخريطة في الإتحاف لابن زيدان 5/169، وهو الاتفاق الذي تم في 4 ربيع الأول 1261هـ 8/5/1845م.، ولقد كانت حدود المغرب تمتد جنوبا إلى نهر السينغال من سان لوي إلى طامبوكتو وكاو جنوبا، ثم أصبحت بعد احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 وبعد اتفاقية 1844 أصبحت الحدود كما هي حسب الاتفاقية المذكورة”اهـ
فعلام تستند أمينتو حين تزعم أن العيون أو طانطان فما بعدها منطقة غير مغربية، وترفض أن تملأ بيانات السفر بما يؤكد مغربيتها، وبأي عقل فكرت حين أرادت بتر نصف البلاد (من سيدي إفني إلى الكويرة، مرورا بطانطان وطرفاية والعيون والسمارة وبوجدور والداخلة..)؟
فعلا: الجنون فنون.
الوقفة الثالثة:
عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه، [وفي رواية: فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان]” [رواه مسلم].
قال النووي في شرحه: “معناه: يفرق جماعتكم كما تفرق العصاة المشقوقة، وهو عبارة عن اختلاف الكلمة وتنافر النفوس”اهـ.
والمغاربة -بما فيهم الصحراويون- في ذمتهم بيعة لملوك الدولة العلوية، وحاكمهم الشرعي قائم تجتمع عليه الكلمة، فالسعي للإخلال بهذه الوحدة وبث أسباب الاختلاف والتنافر جريمة ترتقي إلى درجة الخيانة العظمى التي تتفق الدول والحكومات على قتل أصحابها وعدِّهم خونة.
الوقفة الرابعة:
إن السعي لتحقيق العدل وضمان الحقوق المشروعة للمواطنين من أهم ما ينبغي أن تراهن عليه الدولة في مواجهة هذا الكيد؛ لأنه سيكون سدا منيعا في وجه أولئك الانفصاليين الذين يركبون ثبج الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة ويستغلونها لتعبئة الناس الذين يبادرون لبيع دينهم ووطنهم بعرض من الدنيا قليل.
الوقفة الخامسة:
إن حب الوطن خلق محمود في إطاره الشرعي وقد بين الله تعالى أنه غريزة في النفوس فقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}
فجعل خروج الإنسان من وطنه عديل قتله نفسه.
ومعلوم تعلق النبي صلى الله عليه وسلم ببلده مكة الذي كان مرجعه إلى دافعين: أولهما غريزي كما يشير إلى ذلك قوله عليه السلام لورقة: “أوَ مُخرجيّ هم؟”، والثاني شرعي: كما قال وهو مهاجر من مكة: “اللهم إنكِ أحب البلاد إلي”.
ويروى عن عمر رضي الله عنه قال: “عمَّر الله البلدان بحب الأوطان”.
وقال أحد السلف: “من علامة عقل الإنسان: بره بإخوانه، وحنينه إلى وطنه ..”.
وهذا يؤكد أهمية التربية الشرعية على المواطنة الحقة بلا إفراط ولا تفريط.
الوقفة السادسة:
إن موقف الجزائر الداعم للتوجه الانفصالي موقف مخز في ميزان الشرع أيا كانت مسوغاته السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية.
وكان من المفترض شرعا وسياسة أن يكون المغرب العربي قد قطع شوطا بل أشواطا في سبيل الوحدة المثمرة لقوة روحية واقتصادية وسياسية تجعل للأمة وزنا في المنتدى المتوسطي الذي يهيمن عليه الاتحاد الأوروبي..
إنه غياب الحكمة، واللهث وراء مصالح عاجلة جزئية والزهد في المصالح العليا للأمة.
ولا ننسى دور الأمم المتربصة في إيجاد هذه الفرقة على حد مقولة: (فرِّق تسد)، فبعض هؤلاء يظهرون التباكي على حقوقنا المنتهكة، ويضمرون الرضا بكل ما يكرس ضعفنا وفرقتنا:
قال ربنا: {يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم}، وقال سبحانه: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها}.
الوقفة السابعة:
لقد جمعت (أمينتو) في موقفها الشنيع بين قبح الغاية وقبح الوسيلة؛ لأن ما تقوم به هو في حقيقته انتحار، وقد علم حكمه في الشرع:
قال الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصله نارا}.