واجبنا نحو صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم د. إبراهيم والعيز باحث في الدراسات الإسلامية

إن المسلمين اليوم يلزمهم الاهتمام بأصول عقيدتهم وفروعها، خاصة وهم في وقت كثر فيه الاستهزاء بالإسلام وبشعائره وبمقدساته ورموزه.
ومما يلزم المسلم أن يعرفه ويحيط به خبرا موضوع؛ مكانة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقيدة الإسلام، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة التي أمرنا بالتمسك بها، وأخبرنا في السنة النبوية أن من تشبث بها نجا، ومن حاد عنها ضل وأضل وكان في الآخرة من الخاسرين.
إن عقيدة الإسلام في شأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، إذ هي مؤسسة على أصل أنهم رضوان الله عليهم كلهم عدول. وشاهد ذلك نصوص الشرع من الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة.
– فأما الكتاب فقد جاء في نصوصه أن الله تعالى رضي عنهم في دار الدنيا ووعدهم بالفوز بالجنة والنعيم المقيم في دار الآخرة، ودليل ذلك قول العلي الأعلى؛ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، وقوله عز من قائل؛ (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) .
– وأما السنة المشرفة فقد ورد فيها أن أفضل الأمة هم أولئك الذين عاشوا زمن النبي صلى الله عليه وسلم من صحابته الكرام، كما ورد فيها أيضا أن محبة الصحابة رضي الله عنهم عنوان محبة النبي صلى الله عليه وسلم وأن بغضهم عنوان بغضه، فقال عليه الصلاة والسلام: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» ، وقال كذلك: «الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا من بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه» .
– وأما الإجماع فقد أثنى جميع علماء أهل السنة والجماعة على الصحابة خيرا مستلهمين ذلك الثناء من تعديل الله عز وجل ورسوله عليه السلام لهم، وقد نقل ذلك الثناء العلامة ابن الأثير في أسد الغابة عن الإمام النووي، وإمام الحرمين، وأبي زرعة الرازي، وابن الصلاح، والخطيب البغدادي وغيرهم، حيث إنهم كلهم قالوا: «الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتنة وغيرهم بإجماع من يعتد به» .
وبعد هذا التأصيل المبين لقيمة ومكانة الصحابة رضي الله عنهم في الكتاب والسنة والإجماع، أبين ما يلزم المسلم نحو الصحابة الكرام وما يجب أن يعتقده فيهم، وأجمل ذلك فيما يلي:
1- الاعتقاد الجازم أن أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة الكرام، لقوله عليه السلام: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» ، وأن أفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة وهم؛ «طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح»، ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية. وقد نقل الإجماع على هذا الترتيب ابن الأثير عن الخطيب البغدادي ، ونص عليه كذلك العلامة اللقاني في نظمه جوهرة التوحيد فقال:
وصحبه خير القرون فاستمع — فتابـــعي فتابــــع لمن تبـــع
وخيرهم من ولي الخلافــــه — وأمرهم في الفضل كالخلافه
يليــــهم قــوم كــرام بــرره — عدتهم ست تمام العشــــــره
فأهل بــدر العظيم الشـــان — فأهل أحد بيعة الرضـــوان
2- وجوب محبتهم وموالاتهم ولاستغفار لهم والدفاع عنهم، لأن محبتهم من محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الشريف السابق «فمن أحبهم فبحبي أحبهم»، ولأن الاستغفار لهم امتثال لتوجيهات كتاب الله عز وجل، فقد جاء في الآية الكريمة: (الَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) ، وممن سبق بالإيمان الصحابة الكرام.
3- عدم سبهم وشتمهم والاستهزاء بهم والتنقيص من قدرهم جميعا، لأن ذلك زندقة وكفر ويستحق فاعله لعنة الله والطرد من رحمته، وقد ورد التصريح بذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» .
4- التمسك بالأحكام الصادرة عن الخلفاء الراشدين والعمل بها، لأن أحكامهم حجة والاقتداء بهم واجب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ» .
5- ينبغي للمسلمين جميعا أن يتعلموا سيرة الصحابة الكرام وأن يعرفوا أخبارهم وشؤون حياتهم وأن يلقنوا ذلك لأبنائهم، لأن ذلك أجلب لمحبتهم والاهتداء بهديهم والسير على نهجهم، وهو عمل يدخل في باب الدفاع عن السنة النبوية والنصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، خاصة ونحن في زمن تكالب فيه السفهاء والمغرضون والمرجفون على الإسلام ونبي الإسلام ومقدسات المسلمين.
6- تسمية الأبناء بأسمائهم، لأن في ذلك تذكيرا بهم وتخليدا لشأنهم، وتقوية للصلة بينهم وبين من بعدهم من الأجيال.
7- واجب على كل مسلم السكوت عما حصل بين الصحابة رضي الله عنهم من اختلاف نتجت عنه مجموعة من الفتن، وذلك بعدم اتخاذ مواقف بناء على ما حدث يتوصل بها للطعن في فئة منهم، ودليل ذلك أن ما وقع بينهم قد علمه الله سبحانه وتعالى، وأخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يقع بإخبار الله تعالى له. ومع هذا أثنى الله عز وجل عليهم في كتابه، وأثنى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، فلا مجال للطعن فيهم أو الانتقاص من قدرهم.
وقد نقل الإجماع على ذلك عن علماء أهل السنة والجماعة. قال العلامة إبراهيم الباجوري في شرحه على جوهرة التوحيد: «وقد وقع تشاجر بين سيدنا علي وسيدنا معاوية رضي الله عنهما، وافترقت الصحابة فيه ثلاث فرق؛ الأولى اجتهدت فظهر لها أن الحق مع علي فقاتلت معه، والثانية اجتهدت فظهر لها أن الحق مع معاوية فقاتلت معه، والثالثة توقفت. وقد قال العلماء: المصيب بأجرين والمخطئ بأجر، وقد شهد الله تعالى ورسوله لهم بالعدالة، ويصرف المكلف ما وقع بينهم إلى محمل حسن، لتحسين الظن بهم، فإنهم كانوا مجتهدين فيما حصل» .
وخلاصة المقال؛ إن الاعتقاد الصحيح والسليم في الصحابة الكرام رضي الله عنهم، هو عنوان محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتوقيره واحترامه، وهو أيضا أصل من أصول عقيدة فرقة أهل السنة والجماعة المؤسسة على تعديل كل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم تجريح أي واحد منهم.
وبذلك استحقت أن تكون هي الفرقة الناجية، وسواها من الفرق هي الضالة الزائغة التي تمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ بتنقيصها من قدر الصحابة والنيل منهم والحط من شأنهم وقدرهم؛ بعد أن رفع الله مكانتهم وأعلى منزلتهم في الدنيا ووعدهم بالفوز بالنعيم المقيم في دار الآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *