بعض العناصر المتعلقة بإصلاح الأسس القانونية للمسؤولية المالية.
يشكل ظهير 2 أبريل 1955م والذي تم نسخه بظهير 3 أبريل 2002م المنظم لمسؤولية الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الإطار القانوني الذي عمل على تنظيم مسؤولية المحاسبين العموميين، فقد جاء هذا القانون الأخير بالعديد من العناصر اختلفت في جوهرها عن كل أشكال المسؤوليات التي نظمها المشرع المغربي، فارتباط هذه المسؤولية بالمال العام والمحافظة عليه جعل المشرع المغربي يتشدد مع المتعاملين بهذا المال، من خلال إحداث قواعد صارمة تنصب بالدرجة الأولى على فكرة شخصية المساءلة، وأيضا المتابعة في إطار الذمة المالية.
إلا أن هذا التنظيم القانوني الحديث لم يحقق الضمانات اللازمة للتخفيف من مسؤولية المحاسبين العموميين، وأصبح يقتضي إعادة النظر في بعض عناصره.
أولا: إعادة النظر في بعض العناصر القانونية للمسؤولية المالية
أ- إعادة النظر في عنصر الخطأ:
اعتبر المشرع المغربي، مسؤولية المحاسبين العموميين المالية قائمة على فكرة الخطأ المفترض الذي ينشأ من الإخلال بقواعد المحاسبة العمومية، والالتزامات المنصوص عليها في ظهير 3 أبريل 2002م، وهذه الالتزامات وردت على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وفيها توسع ظاهر فيما يخص مساءلة هؤلاء الموظفين.
فأول عنصر ينبغي إعادة النظر فيه هو عنصر الخطأ كأساس للمسؤولية المالية، فهذا العنصر غير واضح المعالم، ويقتضي الشرح والتفسير، خاصة وأن مهام المحاسبين العموميين قد تعددت وتجاوزت إطار حراسة الأموال العمومية، وتحصيل الموارد، وتنفيذ النفقات العمومية.
وعلى مستوى الخطأ دائما، ينبغي التمييز بين الخطأ اليسير والخطأ الجسيم، بحيث لا تترتب المساءلة إلا على النوع الثانـي من الأخطـاء وتخفيـف الجزاءات فيما يتعلق بالنوع الأول من الأخطاء، فهذا التمييز بشأن أنواع الخطأ سيساهم حتما في مجال المبادرة في تسيير المال العام بدل التخوف المستمر من مخالفة قواعد المحاسبة العمومية.
وفـكرة الخطـأ عنـد المشـرع المغربـي لا تقتصـر فقـط علـى أخطائـه الشخصية، وإنما تمتد بالإضافة إلى ذلك إلى أخطاء وكلاء المداخيل الذين يعينون من قبل الآمرين بالصرف، وكذلك أخطاء المحاسبين السابقين، وهي وضعية تقتضي المراجعة من خلال مساءلته فقط عن أخطائه الشخصية، وحصر هذه المسؤولية في فترة تسييره بدل تحميله أخطاء محاسبين سابقين 1.
ب- إعادة النظر في عنصر الضرر وحق التسخير:
تتطلب مراجعة القانون المنظم لمسؤولية المحاسبين العموميين إعادة النظر أيضا في عنصر الضرر الحاصل كعنصر جوهري لقيام المسؤولية المالية، فقد نص المشرع المغربي في الفصل 98 من قانون الالتزام والعقود بخصوص آثار المسؤولية التقصيرية على أن:
“الضرر في الجرائم و أشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعي فعلا والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به، وكذلك ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل…”
ولقد عرف أيضا الفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود بالنسبة للمسؤولية العقدية الضرر كما يلي:
“الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية، وفاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام، وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة موكولة لفطنة المحكمة التي يجب عليها أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه.”
ففكرة الضرر في مجال المسؤولية المدنية، تعني حصول ضرر فعلي وخسارة حقيقية غالبا ما تكون مالية، في حين نجد في مجال المسؤولية المالية فكرة الخسارة منعدمة خاصة إذا استفادت الهيئة العمومية موضع التسيير من الخدمات التي أديت لمصلحتها، و إلزام المحاسب العمومي بتعويض ضرر غير موجود يشكل خرقا للمبادئ العامة للمسؤولية بل وخرقا لمبادئ العدل والإنصاف، ويمكن اعتبار التعويض المقدم بمثابة إثراء بلا سبب، على أن فكرة الضرر يمكن الاعتداد بها في حالات الاختلاس التي قد يمارسه المحاسب العمومي أثناء ممارسة مهامه، و في هذه الحالة نجد أن الضرر هو ضرر فعلي نتج عنه نقص في صندوق الدولة، وأن الواقعة الحاصلة مادية تقتضي مساءلة مرتكب الفعل ماليا و جنائيا.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد حاول تفادي الإشكال المرتبط بعنصر الضرر والتعويض عنه من خلال الحديث عن وجود “منفعة شخصية” في الفصل 54 من ظهير 13 يونيو 2002م المنظم للمحاكم المالية، على أن هذا الطرح إن كان من شأنه التخفيف من مسؤولية المحاسبين العموميين فإنه ينبغي رغم ذلك التمييز بين الضرر الفعلي المرتبط بضياع المال العام، والضرر المرتبط بمخالفة مالية لم ينشأ عنها أي ضرر للهيئة العمومية موضع التسيير، كما هو الأمر في حالة وجود خطأ مادي ممكن إصلاحه دون ضرر.
إلى جانب عنصر الضرر، هناك حق التسخير الوارد في المادة 92 من المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 21 ابريل 1967م المنظم للمحاسبة العمومية وهو حق يمنح للآمر بالصرف من أجل تجاوز رفض المحاسب العمومي التأشير على أوامر الأداء المقدمة إليه،2 وهو حق ظل وجوده قائما حتى في ظل التعديلات الجديدة التي عرفتها مسؤولية المحاسبين العموميين، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة الرابعة من ظهير 3 أبريل 2002 المنظم لمسؤولية الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين على ما يلي:
“… أوامر التسخير التي استعملوها فيما يخص أداء النفقات العمومية.. ”
وما نصت عليه أيضا المادة السادسة من نفس الظهير:
“… في حالة إصدار أمر التسخير بكيفية مشروعة عن الآمر بالصرف.”
فحق التسخير وإن كان الهدف منه تحقيق توجهات الآمرين بالصرف السياسية والاجتماعية، دون الاهتمام بقواعد المحاسبة العمومية والأضرار التي قد تصيب المال العام، فهذا الحق يقتضي استبعاده نتيجة للآثار التي يمكن أن تترتب عليه، والخلل الذي يمكن أن ينتج عنه في إطار العلاقة القائمة بين الأطراف المشاركة في تسيير المال العام.
——————
1- voir : Revue Française des Finances Publique. le Conseil de l’Etat Juge Financier . Edition L.G.D.J N° 70 juin 2000 p: 141
2 – Alain Turc. la Comptabilité Publique .Continuité et Modernité .Edition Comité pour l’histoire Economique et Financière .Ministère des Finances .Année 1995 p: 203.