من آثار الإيمان بأسماء الله تعالى: الغفور، الغافر والغفّار ناصر عبد الغفور

أسماء الله الحسنى

تنوع أسباب المغفرة وكثرتها:

من رحمة الله تعالى أنه لم يعلق مغفرته لذنوب عباده ونجاتهم من عذابه بتوبتهم واستغفارهم فقط بل جعل لذلك أسبابا عدة، دلت عليها نصوص القرآن والسنة بالاستقراء، وقد ذكر الإمام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى في شرحه للطحاوية أحد عشر سببا لمغفرة الذنوب، رأيت أن أنقلها([1]) لمسيس الحاجة إلى معرفتها والعلم بها:

السبب الأول: التوبة، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ}، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}، وكون التوبة سببا لغفران الذنوب وعدم المؤاخذة بها مما لا خلاف فيه بين الأمة، وليس شيء يكون سببا لغفران جميع الذنوب إلا التوبة، قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وهذا لمن تاب، ولهذا قال: {لَا تَقْنَطُوا} وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} الآية.

السبب الثاني: الاستغفار، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، لكن الاستغفار تارة يذكر وحده، وتارة يقرن بالتوبة، فإن ذكر وحده دخل معه التوبة، كما إذا ذكرت التوبة وحدها شملت الاستغفار. فالتوبة تتضمن الاستغفار، والاستغفار يتضمن التوبة، وكل واحد منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى، فالاستغفار: طلب وقاية شر ما مضى، والتوبة: الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله.

السبب الثالث: الحسنات([2]): فإن الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، فالويل لمن غلبت آحاده عشراته. قال تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها»([3]).

السبب الرابع: المصائب الدنيوية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا غم ولا هم ولا حزن، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه» متفق عليه، وفي المسند: «أنه لما نزل قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}، قال أبو بكر: يا رسول الله، نزلت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءا؟ فقال: يا أبا بكر، ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست يصيبك اللأواء؟ فذلك ما تجزون به»([4]).

فالمصائب نفسها، مكفرة، وبالصبر عليها يثاب العبد، وبالتسخط يأثم، والصبر والسخط أمر آخر غير المصيبة، فالمصيبة من فعل الله لا من فعل العبد، وهي جزاء من الله للعبد على ذنبه، ويكفر ذنبه بها، وإنما يثاب المرء ويأثم على فعله، والصبر والسخط من فعله، وإن كان الأجر قد يحصل بغير عمل من العبد، بل هدية من الغير، أو فضل من الله من غير سبب، قال تعالى: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}.

السبب الخامس: عذاب القبر.

السبب السادس: دعاء المؤمنين واستغفارهم في الحياة وبعد الممات.

السبب السابع: ما يهدى إليه بعد الموت، من ثواب صدقة أو قراءة أو حج، ونحو ذلك.

السبب الثامن: أهوال يوم القيامة وشدائده.

السبب التاسع: ما ثبت في الصحيحين: “أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة” رواه البخاري.

السبب العاشر: شفاعة الشافعين.

السبب الحادي عشر: عفو أرحم الراحمين من غير شفاعة، كما قال تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. فإن كان ممن لم يشأ الله أن يغفر له لعظم جرمه، فلا بد من دخوله إلى الكير، ليخلص طيب إيمانه من خبث معاصيه، فلا يبقى في النار من في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، بل من قال: لا إله إلا الله”([5]).

———————————————-

([1]) وذلك باختصار وإيجاز، مع بيان حكم الأحاديث المذكورة.

([2]) وسيأتي ذكر جملة من الحسنات والطاعات التي تكفر بها الخطايا والسيئات وتكون سببا عظيما للمغفرة من رب الأرض والسموات.

([3]) جزء من حديث أبي ذر  رضي الله عنه، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وهو في صحيح الترغيب والترهيب تحت رقم:2655.

([4]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وعلق عليه شعيب الأرنؤوط بقوله: صحيح بطرقه وشواهده وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه. والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وفي صحيح الإيمان لابن تيمية رحم الله الجميع.

([5])شرح الطحاوية في العقيدة السلفية للإمام ابن أبي العز الحنفي:267-272، -باختصار وتصرف مع بيان أحكام الأحاديث-.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *