الكل يتكلم باسم الشعب المغربي، اليساري الملحد، واليساري المسلم، العلماني المتطرف، والعلماني المعتدل، الاشتراكي والليبرالي والإسلامي…، حتى الشواذ والمأفونين والمختلين فكريا وسلوكيا.
كل من هب ودب يتكلم باسم المغاربة وينوب عنهم – كدا يزعم في الصدع بما يؤمنون به ويعتقدون، حتى يخيل للسامع والمتتبع أن هؤلاء بشر ليس لهم مذهب ولا ملة، أولا يستقرون على رأي، وإن العاقل الحصيف هو الذي يتوقف حتى يتتثبت من حقيقة هذه الفدلكة والخلطة العجيبة، حتى يعرف من هذا الشعب الذي جمع بين هذه المتناقضات.
هل الأمر بالحقيقة التي تذاع ويرى ويسمع؟
أم هو التفاف من طرف شراذم اختارت سبلا شتى ومذاهب عدة؟ وتريد أن تتمسح بالشعب لتحقيق مآربها ونشر باطلها وقضاء أغراضها عن طريق المغالطة والتضليل.
لابد أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من كل هذه اللوحة المبعثرة المتداخلة العصية على الفهم، وأن يترك هؤلاء جميعا الكلمة للشعب ليعبر عن رأيه ويعلن عن نفسه، ويحدد وجهته. ويصرح بمذهبه بعيدا عن الأدلجة والإكراه وفرض النمط الواحد في العيش والتفكير والاعتقاد والسلوك، باستعمال الوسائل المشتركة والسيطرة عليها من أجل توجيه الناس لوجهة معلومة تخالف أصل ما هم عليه من النزوع نحو التدين والتخلق والحياء والوقار…
لقد ظن هؤلاء بعد أن استولوا على وسائل التأثير من الإعلام والتعليم المسيجة بسلطة المال أنهم قد تحكموا في رقاب الشعب، وأنه انساق خلفهم كالنعاج، وأن مفعول التخدير والإفساد قد أعطى أكله، وأن الشعب قد أسلس لهم القياد ليتكلموا باسمه ونيابة عنه حين الإقرار بواقع مزيف صنعوه عبر الإعلام ورأوا آثاره التي غطت المشهد الحياتي، وخلقت نوعا من الضباب الكثيف حجب عنهم الرؤية عن حقيقة ما يختلج أفئدة الشعب وما يشغل باله من حنو وحنين إلى الدين وقيمه السمحة وأخلاقه الراقية، لا سيما وواقع الحال الذي فرض عليهم قهرا لم يقدم لهم مصلحة دنيوية راجحة، ولم يمكنهم من العمل على ضمان فلاح الآخرة ونعيمها، فصار الناس يعيشون في دروب من التيه لا هم من أهل الدنيا ومتاعها كحال بني إفساد من زمرة النفاق والشقاق، ولا هم من أهل الآخرة قد استعدوا لها بما يحقق لهم السلامة ويكسبهم رضى الله عز وجل.
لقد فتح الله الآفاق وأتت الهداية من حيث لم يحتسبوا، وقذف الله في قلوب المسلمين من أبناء هذا الوطن الهداية والاستقامة رغم كل سبل التضييق والمنع، وكثير من الناس أدرك خطأ اختياره وبطلان مساره، واستوعب حقيقة التضليل الذي تعرض له من زمرة المتحكمين، منهم من رجع ومنهم من يتحين الفرصة وقليل منهم لا زال سادرا في غيه عجل الله بهداية الجميع.
فلم يعد من المقبول اليوم أن يتكلم أحد باسم الشعب وقد كبلوا يده وحرموه من حقه في الاختيار الحر الذي لا إكراه فيه؛ عن حقه في فضاء خال من مظاهر الخنا والانحلال، وفي مدرسة لا تعرف الاختلاط ولا التهتك، وفي بنك يتعامل بالشرع وضوابطه، وفي حافلة تحترم الخصوصية، وفي عمل يقدر التزام الفرد بدينه، وبسوق يفرق بين الرجال والنساء ليجد كل راحته… وليختر كل من شاء ما شاء، لكن فقط وفروا الفرص وهيئوا الاختيارات، ولا تلزمونا بالرأي الواحد الوحيد، وسترون من أمر هذا الشعب ما لا يخطر لكم على بال، ليبق بعدها المتهتكون ومنكوسو الفطرة وممسوخو العقول شذاذا يمقتهم الناس، فلا يقدرون حينها أن يتكلموا باسم الشعب الذي سيلفظهم إلى الهامش ليعرفوا حقيقة أمرهم وقدر حجمهم، ويستفيقوا من سكرة الوهم والأحلام.
لا شك أن السواد من المغاربة يعاني في صمت من حرمانهم من حقهم في حياة لا تخضع لسطان الانحلال الذي صار فلسفة مؤطرة للسياسة العامة، معششا في عقول كثير ممن تسلقوا مقام الريادة على حساب القيم والأعراف والمعاناة. لكنهم يشكون إلى الله وحده الذي بيده مقادير الأمور يقلبها كيف يشاء، أن يفك أسرهم ويحرر رقابهم ممن تسلط عليهم، فسامهم سوء التدبير وأذاقهم قبح التسيير، فإلى الله المشتكى وهو حسبنا ونعم الوكيل.