الحوار مع أحمد ويحمان

1-كيف تقرؤون تطبيع كل من الإمارات والبحرين مع “الكيان الصهيوني”، في الشروط الإقليمية لهذا التطبيع؟
أحييكم وأحيي قراء “السبيل” المكافحة. ففي مثل هذا اليوم (26 أكتوبر)، من السنة الماضية، تم الاعتداء على المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، وتم اعتقال رئيسه في مواجهة مع تسللات خبيثة على هامش المعرض الدولي للتمور بأرفود. وكان للسبيل موقف مشرف وبلغتني تحيتها بزنزانتي الانفرادية في شكل افتتاحية بقلم مديرها سي إبراهيم الطالب. فمرحبا بالسبيل وقراء السبيل وإدارة السبيل، على سبيل الهدى والنصر على المخطط الصهيوني التخريبي الذي يستهدف وطننا وشعبنا وأمتنا… واللهم اجعل عملنا كله، في هذا السبيل، في سبيل الله.
بالنسبة لما أسميتموه “التطبيع البحريني” و”التطبيع الإماراتي”، أرجو التوضيح والتنبيه، بداية، إلى ضرورة الحذر، لأن الحرب حرب مفاهيم وخطاب أيضا… الحذر والحرص على تدقيق كلامنا بتدقيق المفاهيم والكلمات المستعملة. فالتطبيع الذي نحن بإزائه هو تطبيع حكام البحرين وحكام الإمارات… أم الشعب العربي الإسلامي بالبحرين والإمارات، وبكل الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، فهو ضد التطبيع وضد أي تعاط مع الكيان الصهيوني العنصري، بأي مستوى من المستويات. هذا ليس كلامنا نحن، وإنما هو خلاصة نتائج أبحاث ودراسات واستقصاءات الرأي لمراكز دراسات أمريكية وغربية وصهيونية أكدت كلها أن الأغلبية الساحقة للشعب هناك ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني. وتتراوح النتائج بين 80 و83 في المئة، بل وتصل لدى هذه المسوح إلى 91 في المئة من الرافضين للتطبيع كما هي النتائج ببلاد الحرمين.
وإذن، فالتطبيع والهرولة التي نحن بصددها هو تطبيع وهرولة العائلات المتسلطة الحاكمة في كل من المنامة وأبو ظبي؛ وهي عائلات لم تنتخبها شعوبها ولا تستند إلى أية شرعية شعبية، وبالتالي فإن كل القرارات التي تتخذها، باسم شعوبها، التي لم تفوضها بذلك، هي قرارات باطلة ولاغية و”معدومة” بلغة القانونيين.
كما أن هذه القرارات وما يسمى الاتفاقيات هي بالنسبة لنا، بلغة الإعلاميين: “لا حدث”، رغم الضجيج والبهرجة الإعلامية الاستعراضية صاحبتها كبروباغندا للانتخابات الأمريكية والصهيونية، لفائدة كل من ترامب ونتانياهو المترنحين، واللذين ينتظرهما سقوط مدوّ بعد أيام، في خضم الاهتزازات القوية التي تعرفها مختلف المدن في أمريكا منذ الاغتيال الوحشي لجورج فلويد، ومنذ أسابيع في الصدامات والمظاهرات الصاخبة التي تحاصر بيت نتانياهو للمطالبة بتقديمه للمحاكمه بتهمة الفساد.
2-تحدثتم في كتابكم “بيبيو: الخراب على الباب” عن الاختراق الصهيوني الذي يهدد المغرب خاصة، والوطن العربي عامة. وهذه فرصة لنطرح عليكم السؤالين التاليين:
– هل كان لهذا الاختراق دور في إنتاج “القابلية للتطيع” عند الإمارات والبحرين، أم أن لتطبيع الدولتين أسبابا أخرى؟
– كيف سيؤدي هذا التطبيع إلى مزيد من اختراق “الكيان الصهيوني” للدولتين المطبعتين، ولباقي دول الوطن العربي؟
بالنسبة للسؤال الأول: الحقيقة أن الأمر مختلف بعض الشيء هنا. فالاختراق هنا غير لأن الأمر مرتبط بطبيعة هذه الكيانات وظروف نشأتها التي لا تكاد تختلف، جوهريا، عن ظروف وسياقات وخلفيات خلق الكيان الصهيوني، وإن في فترات مختلفة. فهذه الأنظمة هي أنظمة أنشأتها نفس القوى الاستعمارية التي أنشأت الكيان الصهيوني ككيانات وظيفية تحمي بها مصالحها في منطقتنا في إطار علاقة الهيمنة والسيطرة لنهب مقدراتنا. فعن طريق هذه الأدوات من كيانات وأنظمة عائلات الحكم الفردي المطلق، تمارس الشركات الاحتكارية متعددة الجنسيات نهب نفطنا وغازنا واستثمار ملايير الدولارات المكدسة في أبناكها لبناء تنميتها وضمان تفوقها واستمرار هيمنتها. لذلك، فبالنسبة للمتتبعين، فإن سقوط حكام الإمارات والبحرين في التطبيع المخزي مع العدو، ليس فيه أي جديد ذي بال، والجديد الوحيد فيه هو طابع الفجور، وما كان في السر من علاقات أريدَ له أن يصبح في العلن للاعتبارات الاستعراضية المرتبطة بالانتخابات في أمريكا والكيان الصهيوني كما أسلفنا.
وفيما يخص الجواب على السؤال الذي يليه: فبالنسبة للحكام المطبعين فالتطبيع مخترق لهم تماما، ومنذ سنوات. أما باقي الدول العربية فهم ماضون في مخططات اختراقاتهم وتسللاتهم بقدر ما يستطيعون أن يفتحوا من ثغرات هنا وهناك. لكن صمام الأمان، بعد فضل الله، يبقى هو الشعوب التي لا يمكن، بأي حال من الأحوال، اختراقها للمستوى الذي يمكن للعدو الصهيوني، ومن وراءه من القوى الاستعمارية من تمرير مخططاتها.
حال الأمة لا يبعث إلا على كثير من الإحباط باعتبار واقع التمزق والفتن والحرائق التي أغرقتها فيه مخططات أعداء الأمة، لكن هذه الغمة منذورة للتبدد ونرى انفراجا في الأفق يقترب… وعسى فرج الله يكون قريبا…
3-كيف تقيمون تجارب التطبيع السابقة: كامب ديفد (مصر)، وادي عربة (الأردن)، أوسلو (فلسطين)؟ وهل تعتقدون أن تطبيع كل من الإمارات والبحرين لا يختلف عن هذه التجارب من حيث النتائج؟
التطبيع، والمفهوم نفسه، تلزمه المراجعة ذاتها. بدأ رسميا وعلنيا مع السادات أواخر السبعينات من القرن الماضي، رغم أن علاقات للكيان مع بعض الأنظمة تعود إلى سنوات عدة قبل ذلك. ومنذئذ والسقوط الرسمي العربي يتوالى بتوالي سقوط سقوف الجامعة العربية المتدحرج، مؤتمرا عن مؤتمر.
وإذا كان اتفاق وادي عربة مع الأردن نسخة من اتفاق كامب ديفيد مع مصر السادات، فإن أهم سقوط كان له الأثر البالغ والمؤذي للقضية الفلسطينية ولكل الأمة، كان هو سقوط “أوسلو” الذي زكى، في معناه، كل الانهيار الذي تلاه، والذي فتح الباب مشرعا لكل التطبيع الذي لم يقتصر على بعض البلدان العربية والإسلامية وقتها، وإنما امتد لعدد من الدول، بما فيها القوية والمؤثرة صديقة للقضية ومساندة لكفاح الشعب الفلسطيني كالصين والهند… وغيرهما في كل القارات… هذا السقوط سيتوالى، فيما يشبه رقصة الإستريبتيز، حتى ألقيت آخر التوت في النظام الرسمي العربي مع حكام الإمارات والبحرين والطغمة العسكرية المتسلطة في الخرطوم الآن.
لقد وصل الرقص الخليع على حبال الانبطاح الرسمي مع المبادرة العربية لملك السعودية مستوى من العري الذي لم يبق على هذا الجسم الرسمي سوى ورقة التوت؛ هذه الورقة التي أبى حكام لا شرعية لهم، في البحرين والإمارات والسودان، إلا أن ينزعوها عنه ليبقى الحكام في هذا النظام الرسمي إزاء شعوبهم “ربنا خلقتنا” كما يقول المغاربة.
فمن كذبة إلى أخرى… حتى دولتين لشعبين والأرض مقابل السلام… حتى صفقة الأرض حيث لا أرض ولا سلام ولا قدس ولا عودة للاجئين… إلى الدين الإبراهيمي واضطهاد اليهود وحقهم، ليس في فلسطين وحدها، بل في المدينة والمطالبة بحقوق يهود خيبر وقينقاع… و”النيوم” بعد “تيران وصنافير” خطوة في الطريق الذي يرسمون و”أنتم لا تشعرون” على ،« Retourn to Mekka »طريق
على حد تعبيرعنوان كتاب “ليبنك” أحد المسؤولين في دائرة البروباغندا الصهيونية، وصديق جورج بورش الابن.
4-في نظركم، ما هي الخطوات الواجب اتخاذها من قبل “الكتل التاريخية”، في كل دولة من دول الوطن العربي، من أجل مواجهة هذه الموجة الأخيرة من التطبيع؟
يجب على الجميع، كل من موقعه، أفرادا ومؤسسات، في الجانب الرسمي كما على المستوى الشعبي، أحزابا ومركزيات نقابية وجمعيات المجتمع المدني… على الجميع أن يعي أن خطر وضرر الصهيونية واختراقاتها، لم يعد منحصرا في التنكيل والبطش الذي يعاني منهما الشعب الفلسطيني كل يوم… لا ولا في تهويد المقدسات واستهداف المسجد الأقصى، مسرى رسولنا ومعراجه إلى سدرة المنتهى… وكل هذا يسائلنا… الخطر والضرر لا يوفر أي قطر من أقطارنا… والمخطط الرهيب واحد… وكما دمروا المشرق العربي، فهم يشرعون الآن في تدمير المغرب العربي… ليبيا تحترق وتتمزق… تونس تترنح… الجزائر والمغرب وكذا موريتانيا يتم الاشتغال على تفتيتها على أسس عرقية وإثنية ومناطقية…
لا مندوحة من الخطاطة التالية، والتي لا يسمح الحيز بالتفصيل فيها:
نفهم + نتنظم + نتوحد + نُشَبِّك (نجمع الوحدات في شبكة واحدة) + نتحرك.
لا مجال لأي حسابات صغيرة والمخطط في مستويات متقدمة لتفجير منطقتنا… المخطط جاهز بخرائطه وشراويطه (أعلام عرقية) وحتى أناشيده الوطنية للكيانات الوهمية التي أصبحت المظاهرات تخرج باسمها وتعلن دول باسمها في المحافل الدولية.
لقد كنا نصرخ بضرورة الانتباه قبل فوات الأوان… أما اليوم فالأوان بدأ يفوت… فهل ننتبه… لعلنا نتدارك؟
الرجاء في الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *