الحسد.. كبر مداخل الشيطان

الحسد خلق ذميم يجب علينا استئصاله من أنفسنا ومحاربته والقضاء عليه؛ لأنه إذا وصل إلى القلوب أفسدها، وكدرها وسودها، ويتأكد علينا اجتنابه في كل زمان ومكان، لأنه من الذنوب المهلكات.
والحسد هو أن يجد الإنسان في صدره وقلبه ضيقاً وكراهية لنعمة أنعمها الله على عبد من عباده في دينه أو دنياه، حتى إنه ليحب زوالها عنه، بل وربما سعى في إزالتها، وحسبك في ذمه وقبحه أن الله أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بالاستعاذة منه ومن شره، قال تعالى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.
والحسد المذموم مدخل من مداخل الشيطان إلى القلب، فبالحسد لعن إبليس وجعل شيطاناً رجيماً، ولقد ذم الله الحسد في القرآن الكريم وشدد النكال على من اتصف به، لأن الحاسد عنده شيء من الاعتراض على أقدار الله التي قدرها على عباده، وهو داء عظيم من أصيب به تبلد حسه وفتح عينيه على كل صغير وكبير، فلا يهمه إلا زوال الخير عن الغير، فلا هو قانع بما قسم الله له ولا هو راض بما قسم الله لغيره، ومما يدل على تحريمه قوله عليه الصلاة والسلام: “الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب” (رواه أبو داود وابن ماجه، وهو ضعيف)، وقوله: “لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد” (النسائي وابن حبان واللفظ له).
وهو نتيجة من نتائج الحقد، وثمرة من ثمراته المترتبة عليه، فإنه من يحقد على إنسان فإنه يتمني زوال النعمة عنه، ويغتابه في المجالس، ويعتدي على عرضه ويشمت فيه.
ومن أهم أسبابه: العداوة والبغضاء، بين الناس لأي سبب كان، ومنها: التعزز والترفع، وهو أن يثقل على الحاسد أن يرتفع عليه غيره، ومنها العجب والكبر وهو استحقار وتنقص عباد الله؛ لأنهم حصلوا على ما لم يحصل عليه، ومنها حب الرياسة وطلب الجاه والثناء؛ لأن بعض الناس يريدون أن يمدحوا في المجالس، وأن يجلسوا ويتربعوا على ذلك الكرسي الذي يسيل لأجله لعاب الكثيرين، ومنها خبث النفس وحبها للشر وشحها بالخير، فتجد الحاسد إذا ذكر عنده رجل ومدحه الناس تلون وجهه وتوغر صدره ولم يطق المكان الذي هو فيه، أما إذا ذكر عنده رجل حصلت له مشاكل ونكبات استنار وجهه، وخرج إلى مجلس آخر ليبث وينشر خبره وربما أتى بإشاعات في صورة الترحم والتوجع، وهذا من ذله وخسة طبعه اللئيم.
ولذلك يعسر معالجة هذا السبب؛ لأن الحاسد ظلوم جهول، وليس يشفي صدره ويزيل حزازة الحسد الكامن في قلبه إلا زوال النعمة عن غيره، فحينئذ قد يتعذر الدواء.
وداريت كل الناس لكن حاسدي مداراته عزت وعز منالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمة إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
والطامة الكبرى أن تجتمع كل الأسباب في شخص واحد، فهذا لا خير فيه، ولا أمل في علاجه إلا أن يشاء الله.
أعطيت كل الناس من نفسي الرضا إلا الحسود فإنه أعياني
لا أنا لي ذنباً لديه علمته إلا تظاهر نعمة الرحمن
يطوي على حنق حشاه إذا رأى عندي كمال غنى وفضل بيان
مــا أرى يرضيه إلا ذلتي وذهاب أموالي وقطع لساني
وللحسد أضرار عظيمة منها: أنه يورث البغضاء بين الناس، ويقطع حبل المودة؛ لأن الحاسد يبغض المحسود، وهذا يتنافى مع واجب الأخوة بين المؤمن وأخيه، يقول عليه الصلاة والسلام: “لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً” (متفق عليه).
ومنها: أنه يحمل الحاسد على محاولة إزالة النعمة عن الحسود بأي طريقة ولو بقتله كما حصل مع ابني آدم عندما قتل أحدهما الآخر.
ومن أضراره: أنه يمنع الحاسد من قبول الحق خاصة إذا جاء عن طريق المحسود، ويحمله على الاستمرار في الباطل الذي فيه هلاكه، كما حصل من إبليس لما حسد آدم فحمله ذلك على الفسق على أمر الله والامتناع عن السجود، فسبب له الحسد الطرد من رحمة الله.
كما أنه يحمل الحاسد على الوقوع في الغيبة والنميمة والبهتان وهي من الكبائر، كما يحمله على ارتكاب ما حرم الله في حق أخيه، ويجعله في هم وقلق لما يرى من تنزل فضل الله على عباده وهو لا يريد ذلك ولا يقدر على منعهِ فيبقى مهموماً مغموماً.
اصبر على كيد الحسو د فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
فيعيش الحاسد منغص البال، مكدر المزاج، وكله بما جنته يداه.
أو ما رأيت النار تأكل نفسها حتى تعود إلى الرماد الهامد
تضفو على المحسود نعمة ربه ويذوب من كمد فؤاد الحاسد
فيا أيها الحاسد اتق الله في نفسك، واقنع بما أعطاك الله ولا تفتح عينيك فيما أعطى الله لغيرك.
لا تحسدن عبداً على فضل نعمة فحسبك عاراً أن يقال حسود
وعليك عبد الله عندما يصلك الخبر أن فلاناً حسدك أو تكلم فيك أن تتثبت ولا تتسرع، فربما هي وشاية من واش أو نميمة من نمام يريد الإيقاع بين المسلمين، ولتكن حليماً واسع الصدر.
ولا تجادل أية حاسد *** فإنه أدعى لهيبتك
وامش الهوينا مظهراً عفة *** وابغ رضي الأعين عن هيئتك
أفش التحيات إلى أهلها *** سيطلع الناس إلى رتبتك
فإن تأكدت من الأمر فقل لمن أخبرك:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني فاضل
ثم قل لمن حسدك:
إذا أدمت قوارضكم فؤادي صبرت على أذاكم وانطويت
وجئت إليكم طلق المحيا كأني ما سمعت ولا رأيت
واعلم أن هذا ابتلاء من الله وأذية من بعض عباد الله {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت).
وأنه لم يحصل لك شيء بالمقارنة مع ما حصل لرسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وعليك بالصبر والاحتساب، فكل شيء يعلم أجره إلا الصبر؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر10).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *